أسباب نزول القرآن الكريم
أسباب نزول القرآن الكريم الحمد لله الكريم الوهاب هازم الأحزاب ومنشئ السحاب ومرسل الهباب ومنزل الكتاب . في حوادث مختلفة الأسباب أنزله مفرقاً نجوماً وأودعه أحكاماً وعلوماً قال عز من قائل : (وَقُرآَناً فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلى الناسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلاً) أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا أبو رجاء قال: سمعت الحسن يقول في قوله تعالى (وَقُرآناً فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلى الناسِ عَلى مُكث) ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة أنزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر وبالمدينة عشر سنين . أخبرنا أحمد قال : أخبرنا عبد الله قال : أخبرنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هشيم عن داود عن الشعبي قال : فرق الله تنزيله فكان بين أوله وآخره عشرون أو نحو من عشرين سنة أنزله قرآناً عظيماً وذكراً حكيماً وحبلاً ممدوداً وعهداً معهوداً وظلاً عميماً وصراطاً مستقيماً فيه معجزات باهرة وآيات ظاهرة وحجج صادقة ودلالات ناطقة دحض به حجج المبطلين ورد به كيد الكائدين وأيد به الإسلام والدين فلمع منهاجه وثقب سراجه وشملت بركته ولمعت حكمته على خاتم الرسالة والصادع بالدلالة الهادي للأمة الكاشف للغمة الناطق بالحكمة المبعوث بالرحمة فرفع أعلام الحق وأحيا معالم الصدق ودمغ الكذب ومحا آثاره وقمع الشرك وهدم مناره ولم يزل يعارض ببيناته المشركين حتى مهد الدين وأبطل شبه الملحدين صلى الله عليه صلاة لا ينتهي أمدها ولا ينقطع مددها وعلى آله وأصحابه الذين هداهم وطهرهم وبصحبته خصهم وآثرهم وسلم كثيراً . وبعد هذا فإن علوم القرآن غزيرة وضروبها جمة كثيرة يقصر عنها القول وإن كان بالغاً ويتقلص عنها ذيله وإن كان سابغاً وقد سبقت لي ولله الحمد مجموعات تشتمل على أكثرها وتنطوي على غررها وفيها لمن رام الوقوف عليها مقنع وبلاغ وعما عداها من جميع المصنوعات غنية وفراغ لاشتمالها على أعظمها محققاً وتأديته إلى متأمله متسقاً غير أن الرغبات اليوم عن علوم القرآن صادقة كاذبة فيها قد عجزت قوى الملام عن تلافيها فآل الأمر بنا إلى إفادة المبتدئين المتسترين بعلوم الكتاب إبانة ما أنزل فيه من الأسباب إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها وأولى ما تصرف العناية إليها لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزلها . ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار . أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد العطار قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال : حدثنا ليث بن حماد قال : حدثنا أبو عوانة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اتقوا الحديث إلا ما علمتم فإنه من كذب علي متعمداً فيتبوأ مقعده من النار ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار) والسلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازاً عن القول في نزول الآية . أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي قال : اخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال : أخبرنا أبو مسلم قال : حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال : حدثنا أبو عمير عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سداداً ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن . وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئاً ويختلق إفكاً وكذباً ملقياً زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب ولا بد من القول أولاً في مبادئ الوحي وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعهد جبريل إياه بالتنزيل والكشف عن تلك الأحوال والقول فيها على طريق الإجمال ثم نفرع القول مفصلاً في سبب نزول كل آية روى لها سبب مقول مروي منقول والله تعالى الموفق للصواب والسداد والآخذ بنا عن العاثور إلى الجدد . |
القول في أول ما نزل من القرآن أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقري قال : أخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال : حدثني محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب الزهري قال : أخبرني عروة عن عائشة أنها قالت أول ما بديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال : اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت ما أنا بقارئ قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ) حتى بلغ ما لم يعلم فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال : زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال : يا خديجة ما لي وأخبرها الخبر وقال : قد خشيت علي فقالت له : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق رواه البخاري عن يحيى بن بكير ورواه مسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق . أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري قال : أخبرنا جدي أبو حامد أحمد بن الحسن الحافظ قال : حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : إن أول ما نزل من القرآن (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر الصبغي عن بشر أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني قال: حدثنا نصر بن محمد الحافظ قال : أخبرنا محمد بن مخلد أن محمد بن إسحاق حدثهم قال : حدثنا يعقوب الدورقي قال : حدثنا أحمد بن نصر بن زياد قال : حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال : حدثني أبي قال : حدثني يزيد النحوي عن عكرمة والحسن قالا : أول ما نزل من القرآن (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) فهو أول ما نزل من القرآن بمكة وأول سورة (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ) . أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجي قال : أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني عقيل عن ابن شهاب قال : أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي أنه سمع بعض علمائهم يقول : كان أول ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ خَلَقَ الِإنسانَ ِمن عَلَقٍٍ اِقرَأَ وَرَبُّكَ الأَكرَمُ الَّذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَّمَ الِإنسانَ ما لَم يَعلَم) قالوا هذا صدرها أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء ثم أنزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله . فأما الحديث الصحيح الذي روى أن أول ما نزل سورة المدثر فهو ما أخبرناه الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي قال : حدثنا عبد الله بن حامد قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد البينسي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي قال : حدثني يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن : أي القرآن أنزل قبل قال : يا أيها المدثر : قلت : أو اقرأ باسم ربك قال : سألت جابر بن عبد الله الأنصاري : أي القرآن أنزل قبل قال : يا أيها المدثر قال قلت : أو اقرأ باسم ربك . قال جابر : أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني جاورت بحراء شهراً فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على الفرش في الهواء يعني جبريل فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء فأنزل الله علي (يا أَيُّها المُدَّثِّرُ قُم فَأَنذِر) رواه مسلم عن زهير بن حرب عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي وهذا ليس بمخالف لما ذكرناه أولاً وذلك أن جابراً لما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم القصة الأخيرة ولم يسمع أولها فتوهم أن سورة المدثر أول ما نزل وليس كذلك ولكنها أول ما نزل عليه بعد سورة اقرأ . والذي يدل على هذا ما أخبرنا أبو عبد الرحمن بن حامد قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في الحديث : (فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالساً على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعباً فرجعت فقلت: زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله يا أيها المدثر) رواه البخاري عن عبد الله بن محمد . ورواه مسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق وبان بهذا الحديث أن الوحي كان قد فتر بعد نزول اقرأ باسم ربك ثم نزل يا أيها المدثر . والذي يوضح ما قلنا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الملك الذي جاء بحراء جالس فدل على أن هذه القصة إنما كانت بعد نزول اقرأ . أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقري قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري قال : حدثنا أبو الشيخ قال : حدثنا أحمد بن سليمان بن أيوب قال : حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن سفيان قال : حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال : حدثني أبي قال : سمعت علي بن الحسين يقول : أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة : اقرأ باسم ربك وآخر سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة : المؤمنون ويقال العنكبوت وأول سورة نزلت بالمدينة : ويل للمطففين وآخر سورة نزلت في المدينة براءة وأول سورة علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة : والنجم وأشد آية على أهل النار (فَذوقوا فَلَن نَزيدَكُم إِلاعَذابا) وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد (إِنَّ اللهَ لايَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذَلِكَ) . وآخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَاِتَّقوا يَوماً تُرجَعونَ فيهِ إِلى اللهِ) وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها تسع ليال . وقال النووي في قوله صلى الله عليه وسلم : (بست من شوال) : إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى : (وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول : صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي . والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم : جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب . |
القول في آخر ما نزل من القرآن أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال : حدثنا محمد قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال : أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب يقول : آخر آية نزلت (يَستَفتونَكَ قُلِ اللهُ يُفتيكُم في الكَلالَةِ) وآخر سورة أنزلت : براءة . رواه البخاري في التفسير عن سليمان بن حرب عن شعبة . ورواه في موضع آخر عن أبي الوليد . ورواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة . أخبرنا أبو بكر التميمي قال : أخبرنا أبو محمد الجياني قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا ابن المبارك عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس قال : آخر آية نزلت (وَاِتَّقوا يَوماً تُرجَعونَ فيهِ إِلى اللهِ) . أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقري قال : أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال : حدثنا أحمد بن الأحمش قال : حدثنا محمد بن فضيلة قال : حدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله (وَاِتَّقوا يَوماً تُرجَعونَ فيهِ إِلى اللهِ) قال : ذكروا هذه الآية وآخر آية من سورة النساء نزلت آخر القرآن . أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الصوفي قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب قال : حدثنا الحسن بن عبد الله العبدي قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا شعبة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه قال : آخر آية نزلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَقَد جاءَكُم رَسولُ مِّن أَنفُسِكُم) وقرأها إلى آخر السورة رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن الأصم عن بكار بن قتيبة عن أبي عامر العقدي عن شعبة . أخبرني أبو عمرو محمد بن العزيز في كتابه أن محمد بن الحسين الحدادي أخبرهم عن محمد بن يزيد قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا وكيع عن شعبة عن علي بن يزيد عن يونس بن ماهك عن أبي بن كعب قال : أحدث القرآن بالله عهداً (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِّن أَنفُسِكُم) وأول يوم أنزل فيه يوم الإثنين أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني قال : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال : حدثنا بن أبي خثيم قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا مهدي بن ميمون قال : حدثنا غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة أن رجلاً قال : يا رسول الله أرأيت صوم يوم الإثنين قال فيه أنزل القرآن وأول شهر أنزل فيه القرآن شهر رمضان قال الله تعالى ذكره (شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ) أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان النضروي قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن مياسر قال : حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله قال : حدثنا عبد الله بن جابر بن الهيثم الغداني قال : حدثنا عمران عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان وأنزل التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) |
القول في آية البسملة وبيان نزولها أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الجوهري قال : حدثنا محمد بن يحيى بن منده قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمار عن أبي رزق عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال : أول ما نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد استعذ ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم . أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق قال : حدثنا إسماعيل بن أحمد الخلال قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن زيدان البجلي قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزل عليه (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) . أخبرنا عبد القادر بن طاهر البغدادي قال : أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر قال : أخبرنا إبراهيم بن علي الرملي قال : حدثنا يحيى بن يحيى قال : أخبرنا عمرو بن الحجاج العبدي عن عبد الله بن أبي حسين ذكر عن عبد الله بن مسعود قال : كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى نزل (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) . أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا جدي قال : أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد الجرشي قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن عيسى بن أبي فديك عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال : نزلت (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ) في كل سورة اختلفوا فيها فعند الأكثرين هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن . |
فاتحة الكتاب حدثنا أبو عثمان سعيد بن أحمد بن محمد الزاهد قال : أخبرنا جدي قال : أخبرنا أبو عمرو الجبري قال : حدثنا إبراهيم بن الحارث وعلي بن سهل بن المغيرة قال : حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع منادياً يناديه : يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هارباً فقال له ورقة بن نوفل : إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك قال : فلما برز سمع النداء : يا محمد فقال : لبيك قال : قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثم قال : قل (الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ الرَحمَنِ الرَحيمِ مالِكِ يَومِ الدينِ) حتى فرغ من فاتحة الكتاب وهذا قول علي بن أبي طالب . أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر قال : أخبرنا الحسن بن جعفر المفسر قال : أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن محمود المروزي قال : حدثنا عبد الله بن محمود السعدي قال : حدثنا أبو يحيى القصري قال : حدثنا مروان بن معاوية عن الولاء بن المسيب عن الفضل بن عمر عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : (نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش) . وبهذا الإسناد عن السعدي حدثنا عمرو بن صالح قال : حدثنا أبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال : (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ) فقالت قريش : رض الله فاك . ونحو هذا قاله الحسن : وقتادة . وعند مجاهد أن الفاتحة مدنية . قال الحسين بن الفضل : لكل عالم هفوة وهذه بادرة من مجاهد لأنه تفرد بهذا القول والعلماء على خلافه . ومما يقطع به على أنها مكية قوله تعالى (وَلَقَد آتَيناكَ سَبعاً مِّن المَثاني وَالقُرآنَ العَظيمَ) يعني الفاتحة . أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الجبري قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : حدثنا يحيى بن أذين قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر قال : أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه أبي بن كعب أم القرآن فقال : (والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا الإنجيل ولا الزبور ولا في القرآن مثلها إنها لهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) . وسورة الحجر مكية بلا خلاف ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة ثم ينزلها بالمدينة ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب هذا مما لا تقبله العقول . |
سورة البقرة مدنية بلا خلاف أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال : حدثنا يعقوب بن سفيان الصغير قال : حدثنا يعقوب بن سفيان الكبير قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا شعيب بن زريق عن عطاء الخراساني عن عكرمة قال : أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة قوله عز وجل : (الَمَ ذَلِكَ الكِتابُ) أخبرنا أبو عثمان الزعفراني قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن الليث قال : أخبرنا أبو حذيفة قال : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين وآيتان بعدها نزلتا في الكافرين وثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين . وقوله (إِنَ الَّذينَ كَفَروا) قال الضحاك : نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته وقال الكلبي : يعني اليهود. وقوله تعالى (وَإِذا لَقوا الَّذينَ آَمَنوا) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم فقال عبد الله بن أبي انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحباً بالصديق سيد بني تميم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله ثم أخذ بيد عمر فقال : مرحباً بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد علي فقال : مرحباً بابن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيراً فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فأنزل الله هذه الآية . قوله (يا أَيُّها الناسُ اُعبُدوا رَبَّكُم) أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال : أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال : أخبرنا أبو ذر القهستاني قال : حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال : حدثنا روح قال : حدثنا شعبة عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال : كل شيء نزل فيه (يا أَيُّها الناسٌ) فهو مكي ويا أيها الذين آمنوا فهو مدني يعني أن يا أيها الناس خطاب أهل مكة و (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا) خطاب أهل المدينة قوله (ياأَيُّها الناسُ اُعبُدوا رَبَّكُم) خطاب لمشركي مكة إلى قوله (وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا) وهذه الآية نازلة في المؤمنين وذلك أن الله تعالى لما ذكر جزاء الكافرين بقوله (النارُ الَّتي وَقودُها الناسُ وَالحِجارةُ أُعِدَت لِلكافِرينَ) ذكر جزاء المؤمنين . قوله (إِنَّ اللهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلاً) قال ابن عباس في رواية أبي صالح لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين يعني قوله (مَثَلُهُم كَمَثَلِ الَّذي اِستَوقَدَ ناراً) وقوله (أَو كَصَيِّبٍ مِنَ السَماءِ) قالوا الله أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال فأنزل الله هذه الآية وقال الحسن وقتادة : لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين المثل ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله فأنزل الله هذه الآية . أخبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ في كتابه قال : أخبرنا سليمان بن أيوب الطبراني قال : حدثنا عبد العزيز بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله (إِنَّ اللهَ لا يَستَحيي أَن يَضرِبَ مَثَلاً) قال : وَذَلِكَ أن الله ذكر آلهة المشركين فقال (وَإِن يَسلِبهُمُ الذُبابُ شَيئاً) وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا ارايتم حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شيء يصنع بهذا فأنزل الله الآية . قوله (أَتأمُرونَ الناسَ بِالبِرِ) قال ابن عباس في رواية الكلبي عن أبي حاتم بالإسناد الذي ذكر نزلت في يهود المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينهم وبينه رضاع من المسلمين اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به وهذا الرجل يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أمره حق فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه . وقوله (وَاِستَعينوا بِالصَبرِ وَالصَلاةِ) عند أكثر أهل العلم أن هذه الآية خطاب لأهل الكتاب وهو مع ذلك أدب لجميع العباد . وقال بعضهم : رجع بهذا الخطاب إلى خطاب المسلمين والقول الأول أظهر . وقوله (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا وَالَّذينَ هادوا) أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال : قال ابن جريج : عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال : لما قص سلمان على النبي صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الدير قال : هم في النار قال سلمان : فأظلمت علي الأرض فنزلت (إنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا) إلى قوله (يَحزَنونَ) قال : فكأنما كشف عني جبل . أخبرنا محمد بن عبد العزيز المروزي قال : أخبرنا محمد بن الحسين الحدادي قال : أخبرنا أبو فرقد قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا عمرو عن أسباط عن السدي (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا والَّذينَ هادوا) قال : نزلت في أصحاب سلمان الفارسي لما قدم سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه واجتهادهم وقال : يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك تبعث نبياً فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا سلمان هم من أهل النار فأنزل الله (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا وَالَّذينَ هادوا) وتلا إلى قوله (وَلا هُم يَحزَنونَ) . أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكرياء قال : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (إِِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا) الآية نزلت هذه الآية في سلمان الفارسي وكان من أهل جندي سابور من أشرافهم وما بعد هذه الآية نازلة في اليهود . وقوله (فَوَيلٌ لِلَّذينَ يَكتُبونَ الكِتابَ بِأَيديهِم) الآية نزلت في الذين غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم وبدلوا نعته قال الكلبي بالإسناد الذي ذكرنا : إنهم غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم وجعلوه آدم سبطاً طويلاً وكان ربعة أسمر صلى الله عليه وسلم وقالوا لأصحابهم وأتباعهم : انظروا إلى صفة النبي الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا وكانت للأحبار والعلماء مأكلة من سائر اليهود فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بينوا الصفة فمن ثم غيروا . قوله (وَقالوا لَن تَمَسَّنا النارُ إِلا أَيّاماً مَّعدودَةً) أخبرنا إسماعيل بن أبي القسم الصوفي قال : أخبرنا أبو الحسين العطار قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار قال : حدثني أبو القسم عبد الله بن سعد الزهري قال : حدثني أبو عمرو قال : حدثنا أبي عن أبي إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ويهود تقول : إنما هذه الدنيا سبعة آلاف سنة إنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واحد في النار من أيام الآخرة وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم (وَقالوا لَن تَمَسَّنا النارُ إِلا أَيّاماً مَّعدودَةً) . وقال ابن عباس في رواية الضحاك : وجد أهل الكتاب ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين قالوا : لن نعذب في النار إلا ما وجدنا في التوراة فإذا كان يوم القيامة اقتحموا في النار فساروا في العذاب حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة فقال لهم خزنة النار : يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياماً معدودات فقد انقطع العدد وبقي الأمد . قوله (اَفَتَطمَعونَ) قال ابن عباس ومقاتل : نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى ليذهبوا معه إلى الله تعالى فلما ذهبوا معه سمعوا كلام الله تعالى وهو يأمر وينهى ثم رجعوا إلى قومهم فأما الصادقون فأدوا ما سمعوا . وقالت طائفة منهم : سمعنا الله من لفظ كلامه يقول : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس وعند أكثر المفسرين نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم وصفة محمد صلى الله عليه وسلم . قوله (وَكانوا مِن قَبلُ يَستَفتِحونَ عَلى الَّذينَ كَفَروا) وقال ابن عباس : كان يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود خيبر فعاذت اليهود بهذا الدعاء وقالت : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله تعالى (وَكانوا مِن قَبلُ يَستَفتِحونَ عَلى الَّذينَ كَفَروا) أي بك يا محمد إلى قوله (فَلَعنَةُ اَلله عَلى الكافِرينَ) وقال السدي : كانت العرب تمر بيهود فتلقى اليهود منهم أذى وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة أن يبعثه الله فيقاتلون معه العرب فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به حسداً وقالوا : إنما كانت الرسل من بني إسرائيل فما بال هذا من بني إسماعيل . قوله (قُل مَن كانَ عَدوَّاً لِجِبريلَ) أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال : أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني قال : أخبرنا المؤمل بن الحسن قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم قال : أخبرنا أبو نعيم قال : حدثنا عبد الله بن الوليد عن بكير عن ابن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أقبلت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه عز وجل بالرسالة بالوحي فمن صاحبك قال : جبريل قالوا : ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك فأنزل الله تعالى (قُل مَن كانَ عَدُوَّاً لِجِبريلَ فَإِنَّهُ نَزَلَهُ عَلى قَلبِكَ) إلِى قوله (فَإِنَ الَلهَ عَدُوٌّ لِّلكافِرينَ) . قوله (مَن كانَ عَدُوّاًً للهِ وَمَلائِكَتِهِ) أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا علي بن مسهر عن داود عن الشعبي قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة القرآن التوراة وموافقة التوراة القرآن فقالوا يا عمر ما أحد أحب إلينا منك قلت ولم قالوا : لأنك تأتينا وتغشانا قلت : إنما أجيء لأعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضاً وموافقة التوراة القرآن وموافقة القرآن التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف ظهري فقالوا : إن هذا صاحبك فقم إليه فالتفت إليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل خوخة من المدينة فأقبلت عليهم فقلت : أنشدكم بالله وما أنزل عليكم من كتاب أتعلمون أنه رسول الله فقال سيدهم : قد نشدكم الله فأخبروه فقالوا : أنت سيدنا فأخبره فقال سيدهم : إنا نعلم أنه رسول الله قال : فقلت فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تتبعوه قالوا : إن لنا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة فقلت من عدوكم ومن سلمكم قالوا : عدونا جبريل وهو ملك الفظاظة والغلظة والإصار والتشديد قلت : ومن سلمكم قالوا : ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين والتيسير قلت : فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أنه يعادي سلم ميكائيل وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل وإنهما جميعاً ومن معهما أعداء لمن عادوا وسلم لمن سالموا ثم قمت فدخلت الخوخة التي دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلني فقال : يا ابن الخطاب ألا أقرؤك آيات نزلت علي من قبل قلت : بلى فقرأ (قًل مَن كانَ عَدُوّاً لِجِبريلَ فَإِنَّهُ) حتى بلغ (وَما يَكفُرُ بِها إِلا الفاسِقونَ) قلت : والذي بعثك بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر . قال عمر : فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر . وقال ابن عباس : إن حبراً من أحبار اليهود من فدك يقال له عبد الله بن صوريا حاج النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أشياء فلما اتجهت الحجة عليه قال : أي ملك يأتيك من السماء قال : جبريل ولم يبعث الله نبياً إلا وهو وليه قال : ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لآمنا بك إن جبريل نزل بالعذاب والقتال والشدة فإنه عادانا مراراً كثيرة وكان أشد ذلك علينا أن الله أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخرب على يدي رجل يقال له بختنصر وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه فلما كان وقته بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلب بختنصر ليقتله فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً ليست له قوة فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا : إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلا تسلط عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله فصدقه صاحبنا ورجع إلينا وكبر بختنصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً فأنزل الله هذه الآية . وقال مقاتل : قالت اليهود : كان جبريل عدونا أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا فأنزل الله هذه الآية . قوله (وَلَقَد أَنزَلنا إِليكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) قال ابن عباس : هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها فأنزل الله هذه الآية . قوله (وَاِتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ) أخبرني محمد بن عبد العزيز القنطري قال : أخبرنا أبو الفضل الحدادي قال : أخبرنا أبو يزيد الخالدي قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا جدي قال : أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن عمران بن الحارث قال : بينما نحن عند ابن عباس إذ قال : إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فيجيء أحدهم بكلمة حق فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة فيشربها قلوب الناس فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان الطريق فقال : ألا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله قالوا : نعم قال : تحت الكرسي فأخرجوه فقالوا : هذا سحر سليمان سحر به الأمم فأنزل الله عذر سليمان (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ وَما كَفَرَ سُليمانُ) . وقال الكلبي : إن الشياطين كتبوا السحر والنارنجيات على لسان آصف : هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع الله ملكه ولم يشعر بذلك سليمان ولما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه وقالوا للناس : إنما ملككم سليمان بهذا فتعلموه فلما علم علماء بني إسرائيل قالوا : معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان وأما السفلة فقالوا : هذا علم سليمان وأقبلوا على تعلمه ورفضوا كتب أنبيائهم ففشت الملامة لسليمان فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عذر سليمان على لسانه ونزل براءته مما رمي به فقال (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ) . أخبرنا سعيد بن العياش القرشي كتابة أن الفضل بن زكرياء حدثهم عن أحمد بن نجدة عن سعيد بن منصور عن عثمان بن بشير عن حصيفة قال : كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال : لأي داء أنت فتقول : لكذا وكذا فلما نبتت شجرة الخروبة قال : لأي شيء أنت قالت : لخراب بيتك قال : تخربينه قالت : نعم قال : بئس الشجرة أنت فلم يلبث أن توفي فجعل الناس يقولون في مرضاهم : لو كان مثل سليمان فأخذت الشياطين فكتبوا كتاباً وجعلوه في مصلى سليمان وقالوا : نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به فانطلقوا فاستخرجوا ذلك فإذا فيه سحر ورقي فأنزل الله تعالى (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ) إلى قوله (فَلا تَكفُر) قال السري : إن الناس في زمن سليمان كتبوا السحر فاشتغلوا بتعلمه فأخذ سليمان تلك الكتب فدفنها تحت كرسيه ونهاهم عن ذلك ولما مات سليمان وذهب به كانوا يعرفون دفن الكتب فتمثل شيطان على صورة إنسان فأتى نفراً من بني إسرائيل وقال : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً قالوا نعم قال : فاحفروا تحت الكرسي فحفروا فوجدوا تلك الكتب فلما أخرجوها قال الشيطان : إن سليمان ضبط الجن والإنس والشياطين والطيور بهذا فأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود فبرأ الله عز وجل سليمان من ذلك وأنزل هذه الآية . قوله تعالى (يَا أَيَّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقولوا راعِنا) قال ابن عباس في رواية عطاء : وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم أعجبهم ذلك وكان راعنا في كلام اليهود سباً قبيحاً فقالوا : إنا كنا نسب محمداً سراً فالآن أعلنوا السب لمحمد فإنه من كلامه فكانوا يأتون نبي الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : يا محمد راعنا ويضحكون ففطن بها رجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان عارفاً بلغة اليهود وقال : يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه فقالوا : ألستم تقولونها فأنزل الله تعالى (ياأَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقولوا راعِنا) . قوله تعالى (ما يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا مَن أَهلِ الكِتابِ) قال المفسرون : إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود : آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قالوا : هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحن عليه ولوددنا لو كان خيراً فأنزل الله تعالى تكذيباً لهم . قوله تعالى (ما نَنسَخ مِن آيةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِنها) قال المفسرون : إن المشركين قالوا : أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً ما هذا في القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه وهو كلام يناقض بعضه بعضاً فأنزل الله (إِِذا بَدَّلنا آيَةً مَكانَ آَيَةً) وأنزل أيضاً (ما نَنسَخ مِن آَيَةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِّنها) . قوله تعالى (أَم تُريدونَ أََن تَسئَلوا رَسُولَكُم) قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي كعب ورهط من قريش قالوا : يا محمد اجعل لنا الصفا ذهباً ووسع لنا أرض مكة وفجر الأنهار خلالها تفجيراً نؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال المفسرون : إن اليهود وغيرهم من المشركين تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قائل يقول : يأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة ومن قائل يقول : وهو عبد الله بن أبي أمية المخزومي : ائتني بكتاب من السماء فيه من رب العالمين : إلى ابن أبي أمية اعلم أني قد أرسلت محمداً إلى الناس ومن قائل يقول : لن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (وَدَّ كَثيرٌ مِن أَهلِ الكِتابِ) قال ابن عباس : نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة بدر : ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم . أخبرنا الحسين بن محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن المفضل قال : أخبرنا أحمد بن محمد قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان المشركون واليهود من المدينة حين قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك والعفو عنهم وفيهم أنزلت (وَدَّ كَثيرُ مَن أَهلِ الكِتابِ) إلى قوله (فَاِعفوا وَاِصفَحوا) . قوله (وَقالَتِ اليَهودُ لَيسَتِ النَصارى عَلى شيءٍ) نزلت في يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت لهم النصارى : ما أنتم على شيء من الدين فكفروا بموسى والتوراة فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (وَمَن أَظلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَساجِدَ اللهِ) الآية نزلت في ططلوس الرومي وأصحابه من النصارى وذلك أنهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتلهم وسبوا ذراريهم وحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف . وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي . وقال قتادة : هو بختنصر وأصحابه غزوا اليهود وخربوا بيت المقدس وأعانتهم على ذلك النصارى من أهل الروم . وقال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت في مشركي أهل مكة ومنعهم المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام . قوله (وَللهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ) اختلفوا في سبب نزولها فأخبرنا أبو منصور المنصوري قال : أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال : حدثنا أبو محمد إسماعيل بن علي قال : حدثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري قال : حدثنا أحمد بن عبيد الله العبدي قال : وجدت في كتاب أبي قال : حدثنا عبد الملك العرزمي قال : حدثنا عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا : قد عرفنا القبلة هي ها هنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطاً وقال بعضنا : القبلة ها هنا قبل الجنوب وخطوا خطوطاً فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما وقفنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكت فأنزل الله تعالى (وَللهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) أخبرنا أبو منصور قال : أخبرنا علي قال : أخبرنا يحيى بن صاعد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمشي قال : حدثنا وكيع . قال : حدثنا أشعث السمان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر عن ربيعة عن أبيه قال : كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر في ليلة مظلمة فلم يدر كيف القبلة فصلى كل رجل منا على حاله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت (فَأَينَما تُوَلوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) ومذهب ابن عمر أن الآية نازلة في أخبرنا أبو القسم بن عبدان قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : حدثنا أبو البختري بن عبد الله بن محمد بن شاكر قال : حدثنا أبو أسامة عن عبد الملك بن سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال : أنزلت (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) أي صل حيث توجهت بك راحلتك في التطوع . وقال ابن عباس في رواية عطاء : إن النجاشي لما توفي قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن النجاشي توفي فصل عليه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحضروا وصفهم ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم : إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفي فصلوا عليه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم : كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فأنزل الله تعالى (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ الله) ومذهب ابن عباس أن هذه منسوخة بقوله تعالى (وَحَيثُما كُنتُم فَوَلُّوا وجوهَكُم شَطرَهُ) فهذا قول ابن عباس عند عطاء الخراساني . وقال : أول ما نسخ من القرآن شيئان القبلة قال الله تعالى (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) قال : فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق . وقال في رواية ابن أبي طلحة الوالبي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم فلما صرفه الله تعالى إليها ارتاب من ذلك اليهود وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله تعالى (فَأَينَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهِ) وقوله (وَقالُوا اِتَّخَذَ الُلَّهُ وَلَدَاً) نزلت في اليهود حيث قالوا : عزير ابن الله وفي نصارى نجران حيث قالوا : المسيح ابن الله وفي مشركي العرب قالوا : الملائكة بنات الله . قوله (وَلا تُسئَلُ عَن أَصحابِ الجَحيمِ) قال ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت هذه الآية وهذا على قراءة من قرأ (وَلا تُسئَلُ عَن أَصحابِ الجَحيمِ) جزما وقال مقاتل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أنزل الله بأسه باليهود لآمنوا فأنزل الله تعالى (وَلا تُسئَلُ عَن أَصحابِ الجَحيمِ) . قوله (وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلا النَصارى) قال المفسرون : إنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويطمعون أنهم إذا هادنوه وأمهلهم اتبعوه ووافقوه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال ابن عباس هذا في القبلة وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم فيئسوا منه أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يَتلونَهُ حَقَ تِلاوَتِهِ) قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي : نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة كانوا أربعين رجلاً من الحبشة وأهل الشام . وقال الضحاك : نزلت فيمن آمن من اليهود . وقال قتادة وعكرمة : نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم . قوله (أَم كُنتُم شُهَداءَ إِذ حَضَرَ يَعقوبَ المَوتَ) نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية . قوله (وَقالوا كونوا هودَاً أَو نَصارى تَهتَدوا) قال ابن عباس : نزلت في رؤوس يهود المدينة : كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وأبي ياسر بن أخطب وفي نصارى أهل نجران وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله تعالى من غيرها فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء وكتابنا التوراة أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفرت بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن وقالت النصارى : نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفرت بمحمد والقرآن . وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين : كونوا على قوله (صِبغَةَ اللهِ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ صِبغَةً) قال ابن عباس : إن النصارى كان إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام صبغوه في ماء لهم يقال له المعمودي ليطهروه بذلك ويقولون هذا طهور مكان الختان فإذا فعلوا ذلك صار نصرانياً حقاً فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (سَيَقولُ السُفَهاءُ مِنَ الناسِ) نزلت في تحويل القبلة . أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا زاهر بن جعفر قال : أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب قال : حدثنا يحيى بن حكيم قال : حدثنا عبد الله بن رجاء قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة فأنزل الله تعالى (قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ في السَماءِ) إلى آخر الآية فقال السفهاء من الناس وهم اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قال الله تعالى (قُل للهِ المَشرِقُ وَالمَغرِبُ) إلى آخر الآية رواه البخاري عن عبد الله بن رجاء . قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُضيعَ إِيمانَكُم) قال ابن عباس في رواية الكلبي : كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بني النجار والبراء بن معرور أحد بني سلمة وأناس آخرون جاءت عشائرهم فقالوا : يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا فأنزل الله (وَما كانَ الله ُلِيُضيعَ إِيمانَكُم) ثم قال (قَد نَرى تَقَلُبَ وَجهِكَ في السَماءِ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام : وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها وكان يريد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم فقال له جبريل : إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئاً فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال : أخبرنا علي عم الحافظ قال : حدثنا عبد الوهاب بن عيسى قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهراً نحو بيت المقدس ثم علم الله عز وجل هوى نبيه صلى الله عليه وسلم فنزلت (قَد نَرى تَقَلُّبَ وَجهِكَ في السَماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلَةً تَرضاها) رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي الأحوص ورواه البخاري عن أبي نعيم عن زهير كلاهما عن أبي إسحاق . قوله (الَّذينَ آَتَيناهُمُ الكِتابَ يَعرِفونَهُ كَما يَعرِفونَ أَبناءَهُم) الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته وبعثه في كتابهم كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان قال عبد الله بن سلام : لأنا أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم مني بأبي فقال له عمر بن الخطاب : وكيف ذاك يا ابن سلام قال : لأني أشهد أن محمداً رسول الله حقاً يقيناً وأنا لا أشهد بذلك على ابني لأني لا أدري ما أحدث النساء فقال عمر : وفقك الله يا ابن سلام . قوله (وَلا تَقولوا لِمَن يُقتَلُ في سَبيلِ اللهِ أَمواتٌ) الآية نزلت في قتلى بدر وكانوا بضعة عشر رجلاً ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين وذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله هذه الآية . قوله (إِنَّ الصَفا وَالمَروَةَ مِن شَعائِرِ اللهِ) أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال : أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا مصعب بن عبد الله الدميري قال : حدثني مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت : أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يحجون لمناة وكانت مناة حذو قدد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك . أخبرنا أبو بكر التميمي قال : أخبرنا أبو الشيخ والحافظ قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل العسكري قال : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت : أنزلت هذه الآية في ناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية لم يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج ذكروا ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية . رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام . وقال أنس بن مالك : كنا نكره الطواف بين الصفا والمروة لأنهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية فتركناه في الإسلام فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال عمرو بن الحسين : سألت ابن عمر عن هذه الآية فقال : انطلق إلى ابن عباس فسله فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فأتيته فسألته فقال : كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له إساف وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة فزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين ووضعهما على الصفا والمروة ليعتبر بهما فلما طالت المدة عبدا من دون الله تعالى فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف لأجل الصنمين فأنزل الله تعالى هذه الآية . |
وقال السدي كان في الجاهلية تعزف الشياطين بالليل بين الصفا والمروة وكانت بينهما آلهة فلما ظهر الإسلام قال المسلمون : يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان قال : أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن بكار قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا عن عاصم عن أنس بن مالك قال : كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا والمروة وكانا من شعار الجاهلية وكنا نتقي الطواف بهما فأنزل الله تعالى (إِنَّ الصَفا وَالمَروَةَ مِن شَعائِرِ اللهِ) الآية . رواه البخاري عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن عاصم . قوله (إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلنا مِنَ البَيِّناتِ وَالهُدى) نزلت في علماء أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم وأمر محمد صلى الله عليه وسلم . قوله (إِنَّ في خَلقِِ السَمَواتِ وَالأَرضِ) أخبرنا عبد العزيز بن طاهر التميمي قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال : قال أخبرنا أبو عبد الله الزيادي قال : حدثنا موسى بن مسعود النهدي قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال : أنزلت بالمدينة على النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِلهُكُم إِلَهٌ واحِدٌ لّا إِلَهَ إِلّا هُوَ الرَّحمَنُ الرَحيمُ) فقالت كفار قريش بمكة كيف يسع الناس إله واحد فأنزل الله تعالى (إِنَّ في خَلقِ السَمَواتِ وَالأَرضِ وَاِختِلافِ اللَيلِ وَالنَهارِ) حتى بلغ (لآياتٍ لِّقَومٍ يَعقِلونَ) أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال : أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ قال : حدثنا أبو يحيى الداري قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن أبي الضحى قال : لما نزلت هذه الآية (وَإِلهُكُم إِلَهٌ واحِدٌ) تعجب المشركون وقالوا : إله واحد إن كان صادقاً فليأتنا بآية فأنزل الله تعالى (إِِنَّ في خَلقِِ السَمَواتِ وَالأَرضِ) إلى آخر الآية . قوله (يا أَيُّها الناسُ كُلوا مِمّا في الأَرضِ حَلالاً طَيِّباً) قال الكلبي : نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي . قوله (إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلَ اللهُ مِنَ الكِتابِ) قال الكلبي عن ابن عباس : نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم فعمدوا إلى صفة محمد صلى الله بن صرمة الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه وجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك فأصبح صائماً فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِيامِ الرَفَثُ إِلى نِسائِكُم) ففرحوا بها فرحاً شديداً رواه البخاري عن عبد الله بن موسى عن إسرائيل . أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن الفضل قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا يحيى بن حمزة قال : حدثنا إسحاق بن أبي قدوة عن الزهري أنه حدثه عن القاسم بن محمد قال : إن بدء الصوم كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك ولم يأكل ولم يشرب حتى جاء عمر إلى امرأته فقالت : إني قد نمت فوقع بها وأمسى صرمة بن أنس صائماً فنام قبل أن يفطر وكانوا إذا ناموا لم يأكلوا ولم يشربوا فأصبح صائماً وكاد الصوم يقتله فأنزل الله عز وجل الرخصة قال (فَتابَ عَلَيكُم وَعَفا عَنكُم) . أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال : أخبرنا جدي قال : أخبرنا أبو عمرو الحيري قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا أبو حسان قال : حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال : نزلت هذه الآية (وَكُلوا وَاِشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأسوَدِ) ولم ينزل (مِنَ الفَجرِ) وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له زيهما فأنزل الله تعالى بعد ذلك (مِنَ الفَجرِ) فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار رواه البخاري عن ابن أبي مريم . ورواه مسلم عن محمد بن سهل عن ابن أبي مريم . قوله (وَلا تأكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ) قال مقاتل بن حيان : نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي وفي عبدان بن أشوع الحضرمي وذلك أنهما اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض وكان امرؤ القيس المطلوب وعبدان الطالب فأنزل الله تعالى هذه الآية فحكم عبدان في أرضه ولم يخاصمه . قوله (يَسأَلونَكَ عَنِ الأهِلَةِ) قال معاذ بن جبل : يا رسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مسئلتنا عن الأهلة فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال قتادة : ذكر لنا أنهم سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم : لم خلقت هذه الأهلة فأنزل الله تعالى (قُل هِيَ مَواقيتُ لِلناسِ وَالحَجِّ) . وقال الكلبي : نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة وهما رجلان من الأنصار قالا : يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يكون كما كان لا يكون على حال واحدة فنزلت هذه الآية . قوله (وَلَيسَ البِرُّ بِأََن تَأتوا البُيوتَ مِن ظُهورِها) أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكي قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال : أخبرنا أبو خليفة قال : حدثنا أبو الوليد والأحوص قالا : حدثنا شعبة قال : أنبأنا أبو إسحاق قال : سمعت البراء يقول : كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها فجاء رجل فدخل من قبل باب فكأنه عير بذلك فنزلت هذه الآية رواه البخاري عن أبي الوليد ورواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة . أخبرنا أبو بكر التميمي قال : حدثنا أبو الشيخ قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل بن عبيدة قال : حدثنا عبيدة عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا : يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال له : ما حملك على ما صنعت قال : رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت قال : إني أحمسي قال : فإن ديني دينك فأنزل الله (وَلَيسَ البِرُّ بِأََن تَأتوا البُيوتَ مِن ظُهورِها) . وقال المفسرون : كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه فإن كان من أهل المدن نقب نقباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج أو يتخذ سلماً فيصعد فيه وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك ذماً إلا أن يكون من الحمس وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النضر بن معاوية سموا حمساً لشدتهم في دينهم قالوا : فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيتاً لبعض الأنصار فدخل رجل من الأنصار على إثره من الباب وهو محرم فأنكروا عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم دخلت من الباب وأنت محرم فقال : رأيتك دخلت من الباب فدخلت على إثرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أحمسي قال الرجل : إن كنت أحمسياً فإني أحمسي ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك ودينك فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (وَقاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت هذه الآيات في صلح الحديبية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت هو وأصحابه نحر الهدي بالحديبية ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه ثم يأتي القابل على أن يخلو له مكة ثلاث أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله تعالى (وَقاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم) يعني قريشاً . قوله (الشَهرُ الحَرامُ بِالشَهرِ الحَرامِ) قال قتادة : أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذي القعدة حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون فلما كان العام المقبل دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة وأقاموا بها ثلاث ليال وكان المشركون قد فجروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فأقصه الله تعالى منهم فأنزل (الشَهرُ الحَرامُ بِالشَهرِ الحَرامِ) الآية . قوله (وَأَنفِقوا في سَبيلِ اللهِ وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلى التَهلُكَةِ) أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال : أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال : حدثنا عبد الله بن أيوب قال : حدثنا هشيم عن داود عن الشعبي قال : نزلت في الأنصار أمسكوا عن النفقة في سبيل الله تعالى فنزلت هذه الآية . وبهذا الإسناد عن هشيم حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عكرمة قال : نزلت في النفقات في سبيل الله . أخبرنا أبو بكر المهرجاني قال : أخبرنا أبو عبد الله بن بطة قال : أخبرنا أبو القاسم البغوي قال : حدثنا هدبة بن خالد قال : حدثنا حماد بن سلمة عن داود عن الشعبي عن الضحاك عن ابن أبي جبير قال : كانت الأنصار يتصدقون ويطعمون ما شاء الله فأصابتهم سنة فأمسكوا فأنزل الله عز وجل هذه الآية . أخبرنا أبو منصور البغدادي قال : أخبرنا أبو الحسن السراج قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال : حدثنا هدبة قال : حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير في قول الله عز وجل (وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلى التَهلُكَةِ) قال : كان الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفر لي فأنزل الله هذه الآية . أخبرنا أبو القاسم بن عبدان قال : حدثنا محمد بن حمدويه قال : حدثنا محمد بن صالح بن هانيء قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أنس القرشي قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقري قال : حدثنا حيوة بن شريح قال : أخبرني يزيد بن أبي حبيب قال : أخبرني الحكم بن عمران قال : كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج من المدينة صف عظيم من الروم وصففنا لهم صفاً عظيماً من المسلمين فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم خرج إلينا مقبلاً فصاح الناس فقالوا : سبحان الله ألقى بيديه إلى التهلكة فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على غير التأويل وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار إنا لما أعز الله تعالى دينه وكثر ناصريه قلنا بعضنا لبعض سراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت فلو أنا أقمنا فيها وأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله تعالى في كتابه يرد علينا ما هممنا به فقال (وَأَنفِقوا في سَبيلِ اللهِ وَلا تُلقوا بِأَيديكُم إِلى التَهلُكَةِ) في الإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال فنصلحها فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب غازياً في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل . قوله (فَمَن كانَ مِنكُم مَّريضاً أَو بِهِ أَذىً مِّن رَّأسِهِ) أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي قال : أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسن الأباذي قال : حدثنا العباس الدوري قال : حدثنا عبد الله بن موسى قال : حدثنا إسرائيل عن عبد الرحمن الأصفهاني عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة قال : في نزلت هذه الآية (فَمَن كانَ مِنكُم مَّريضاً أَو بِهِ أَذىً مِّن رَّأسِهِ) وقع القمل في رأسي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : احلق وافده صيام ثلاثة أيام أو النسك أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع . أخبرنا محمد بن إبراهيم المزكي قال : حدثنا أبو عمرو بن مطر إملاء قال : أخبرنا أبو خليفة قال : حدثنا مسدد عن بشر قال : حدثنا ابن عون عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال كعب بن عجرة : في أنزلت هذه الآية أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أدنه فدنوت مرتين أو ثلاثاً فقال : أيؤذيك هوامك قال ابن عون : وأحسبه قال نعم فأمرني بصيام أو صدقة أو نسك ما تيسر . رواه مسلم عن أبي موسى عن ابن أبي عدي عن ابن عون . أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي قال : أخبرنا أبو الحسن السراج قال : أخبرنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال : حدثنا عاصم بن علي قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني عبد الرحمن الأصفهاني قال : سمعت عبد الله بن معقل قال : وقفت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد مسجد الكوفة فسألته عن هذه الآية (فَفِديَةٌ مِّن صِيامٍ أَو صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ) قال : حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال : ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك هذا ما تجد شاة قلت لا فنزلت هذه الآية (فَفِديَةٌ مِّن صِيامٍ أَو صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ) قال : صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام . فنزلت في خاصة ولكم عامة . رواه البخاري عن أحمد بن أبي إياس وأبي الوليد ورواه مسلم عن بندار عن غندر كلهم عن شعبة . أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الصوفي قال : أخبرنا محمد بن علي الغفاري قال : أخبرنا إسحاق بن محمد قال : حدثنا جدي قال : حدثنا المغيرة الصقلاني قال : حدثنا عمر بن بشر المكي عن عطاء عن ابن عباس قال : لما نزلنا الحديبية جاء كعب بن عجرة تنتثر هوام رأسه على جبهته فقال : يا رسول الله هذا القمل قد أكلني قال : احلق وافده قال : فحلق كعب فنحر بقرة فأنزل الله عز وجل في ذلك الموقف (فَمَن كانَ مِنكُم مَّريضاً أَو بِهِ أَذىً مِّن رَأسِهِ) قال ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصيام ثلاثة أيام والنسك شاة أخبرنا محمد بن محمد المنصوري قال : أخبرنا علي بن عامر الحافظ قال : حدثنا عبد الله بن المهدي قال : حدثنا طاهر بن عيسى التميمي قال : حدثنا زهير بن عباد قال : حدثنا مصعب بن ماهان عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوقد تحت قدر له بالحديبية فقال : أيؤذيك هوام رأسك قال : نعم قال : احلق فأنزلت هذه الآية (فَمَن كانَ مِنكُم مَريضاً أَو بِهِ أَذىً مِّن رَّأسِهِ فَفِديَةٌ مِّن صِيامٍ أًوصَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ) قال : فالصيام ثلاثة أيام والصدقة فرق بين ستة مساكين والنسك شاة . قوله (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التَقوى) أخبرنا عمر بن عمر المزكي قال : حدثنا محمد بن مكي قال : أخبرنا محمد بن يوسف قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل قال : حدثني يحيى بن بشير قال : حدثنا شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون يقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز وجل (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التَقوى) . وقال عطاء بن أبي رباح : كان الرجل يخرج فيحمل كله على غيره فأنزل الله تعالى (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التَقوى) . قوله (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِّن رَّبِّكُم) أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الجبري عن شعيب بن الزارع قال : أخبرنا عيسى بن مساور قال : حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال : حدثنا العلاء بن المسيب عن أبي أمامة التميمي قال : سألت ابن عمر فقلت : إنا قوم ذوو كرى في هذا الوجه وإن قوماً يزعمون أنه لا حج لنا قال : ألستم تلبون ألستم تطوفون بين الصفا والمروة ألستم ألستم قال : بلى قال : إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم يرد عليه حتى نزلت (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِّن رَّبِّكُم) فدعاه فتلا عليه حين نزلت فقال : أنتم الحجاج . أخبرنا أبو بكر التميمي قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن خشنام قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : كان ذو المجاز وعكاظ متجر ناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِن رَّبِّكُم) في مواسم الحج . وروى مجاهد عن ابن عباس قال : كانوا يتقون البيوع والتجارة في الحج يقولون أيام ذكر الله فأنزل الله تعالى (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِّن رَّبِّكُم) فاتجروا . قوله (ثُمَّ أَفيضوا مِن حَيثُ أَفاضَ الناسُ) أخبرنا التميمي بالإسناد الذي ذكرناه عن يحيى بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كانت العرب تفيض من عرفات وقريش ومن دان أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا قال : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السرخسي قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال : حدثنا حماد بن يحيى قال : حدثنا نصر بن كوسة قال : أخبرني عمرو بن دينار قال : أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : أضللت بعيراً لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً مع الناس بعرفة فقلت : هذا من الحمس ماله ها هنا قال سفيان : والأحمس : الشديد الشحيح على دينه وكانت قريش تسمى الحمس فجاءهم الشيطان فاستهواهم فقال لهم : إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم ويقفون بالمزدلفة فلما جاء الإسلام أنزل الله عز وجل (ثُمَّ أَفيضوا مِن حَيثُ أَفاضَ الناسُ) يعني عرفة رواه مسلم عن عمر والناقد عن ابن عيينة . قوله (فَإِذا قَضَيتُم مَّناسِكَكُم فَاِذكُروا اللهَ كَذِكرِكُم آَباءَكُم) قال مجاهد : كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا بالموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية وأيامهم وأنسابهم فتفاخروا فأنزل الله تعالى (فَاِذكُروا اللهَ كَذِكرِكُم آَباءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرا) . وقال الحسن : كانت الأعراب إذا حدثوا وتكلموا يقولون : وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (وَمِنَ الناسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ في الحَياةِ الدًنيا) قال السدي نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وهو حليف بني زهرة أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأظهر له الإسلام وأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه وقال : إنما جئت أريد الإسلام والله يعلم إني لصادق وذلك قوله ويشهد الله على في قلبه ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله تعالى فيه (وَإِذا تَوَلَّى سَعى في الأَرضِ لِيُفسِدَ فيها وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَسلَ) . قوله (وَمِنَ الناسِ مَن يَشري نَفسَهُ اِبتِغاءَ مَرضاةِ اللهِ) قال سعيد بن المسيب : أقبل صهيب مهاجراً نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته ونثر ما في كنانته وأخذ قوسه ثم قال : يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم قالوا : دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك وعاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبا يحيى ربح البيع ربح البيع وأنزل الله (وَمِنَ الناسِ مَن يَشري نَفسَهُ اِبتِغاءَ مَرضاةِ اللهِ) وقال المفسرون : أخذ المشركون صهيباً فعذبوه فقال لهم صهيب : إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني ففعلوا ذلك وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر ورجال فقال له أبو بكر : ربح بيعك أبا يحيى فقال صهيب : وبيعك فلا بخس ما إلي وكنت أمنعها الناس فأتاني ابن عم لي فخطبها فأنكحتها إياه فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقاً له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها مع الخطاب فقلت : منعتها الناس وزوجتك إياها ثم طلقتها طلاقاً له رجعة ثم تركتها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها لا أزوجك أبداً فأنزل الله تعالى (وَإِذا طَلَّقتُمُ النِساءَ فَبَلَغنَ أَجَلَّهُنَّ فَلا تَعضُلوهُنَّ أَن يَنكِحنَ أَزواجَهُنَّ) فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه . أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن المثنى أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن أن معقل بن يسار زوج أخته من رجل من المسلمين وكانت عنده ما كانت فطلقها تطليقة ثم تركها ومضت العدة فكانت أحق بنفسها فخطبها مع الخطاب فرضيت أن ترجع إليه فخطبها إلى معقل بن يسار فغضب معقل وقال : أكرمتك بها فطلقتها لا والله لا ترجع إليك بعدها قال الحسن : علم الله حاجة الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى بعلها فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن (وَإِذا طَلَّقتُمُ النِساءَ فَبَلَغنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعضُلوهنَّ أَن يَنكِحنَ أَزواجَهُنَّ إِذا تَراضوا بَينَهُم بِالمَعروفِ) إلى آخر الآية قال : فسمع ذلك معقل بن يسار فقال : سمعاً لربي وطاعة فدعا زوجها فقال : أزوجك وأكرمك فزوجها إياه . أخبرنا سعيد بن مجلي بن أحمد الشاهد أخبرنا جدي أخبرنا أبو عمر الجزري قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عمر بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي عن رجاله قال : نزلت في جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له بنت عم فطلقها زوجها تطليقة فانقضت عدتها ثم رجع يريد رجعتها فأبى جابر وقال : طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها وكانت المرأة تريد زوجها قد رضيت به فنزلت فيهم الآية . قوله (وَالَّذينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُم وَيَذَرونَ أَزواجاً وَصِيَّةً لِأزواجِهِم) أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه أخبرنا أبو الفضل الحدادي أخبرنا محمد بن يحيى بن خالد أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحتلي قال : حدث عن ابن حيان في هذه الآية أن رجلاً من أهل الطائف قدم المدينة وله أولاد رجال ونساء ومعه أبواه وامرأته فمات بالمدينة فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى الوالدين وأعطى أولاده بالمعروف ولم يعط امرأته شيئاً غير أنه أمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول . قوله (لا إِكراهَ في الدّينِ) أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي أخبرنا زاهد بن أحمد أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب قال : حدثني يحيى بن حكيم قال : حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانت المرأة من نساء الأنصار تكون مقلاة فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا : لا ندع أبناءنا فأنزل الله تعالى (لا إِكراهَ في الدّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُشدُ مِنَ الغَيِّ) . أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : أخبرنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (لا إِكراهَ في الدّينِ) قال : كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من الأنصار فقالت الأنصار : يا رسول الله أبناؤنا فأنزل الله تعالى (لا إِكراهَ في الدّينِ) قال سعيد بن جبير : فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل في الإسلام . وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار كان له غلام أسود يقال له صبيح وكان يكرهه على الإسلام . وقال السدي : نزلت في رجل من الأنصار يكنى أبا الحصين وكان له ابنان فقدم تجار الشام إلى المدينة يحملون الزيت فلما أرادوا الرجوع من المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا وخرجا إلى الشام فأخبر أبو الحصين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اطلبهما فأنزل الله عز وجل (لا إِكراهَ في الدّينِ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبعدهما الله هما أول من كفر قال : وكان هذا قبل أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال أهل الكتاب ثم نسخ قوله (لا إِكراهَ في الدّينِ) وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة . وقال مسروق كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان فتنصرا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام فأتاهما أبوهما فلزمهما وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا أن يسلما فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر فأنزل الله عز وجل (لا إِكراهَ في الدّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُشدُ مِنَ الغَيِّ) فخلى سبيلهما . أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقري أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محفوظ قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبره عبد الرحمن بن المهدي عن سفيان عن خصيف عن مجاهد قال : كان ناس مسترضعين في اليهود قريظة والنضير فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلاء بني النضير قال أبناؤهم من الأوس الذين كانوا مسترضعين فيهم لنذهبن معهم ولندينن بدينهم فمنعهم أهلهم وأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت (لا إِكراهَ في الدّينِ) . قوله (وَإِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّ أَرِني كَيفَ تُحيي المَوتى) ذكر المفسرون السبب في سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتى . أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا شعيب بن محمد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا روح قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن إبراهيم أتى على دابة ميتة قد توزعتها دواب البر والبحر قال : رب أرني كيف تحيي الموتى وقال حسن وعطاء الخراساني والضحاك وابن جريج : كانت جيفة حمار بساحل البحر . قال عطاء بحيرة طبرية قالوا : فرآها قد توزعتها دواب البر والبحر فكان إذا مد البحر جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها فما وقع منها يقع في الماء وإذا جذر البحر جاءت السباع فأكلت منها فما وقع منها يصير تراباً فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها فما سقط قطعته الريح في الهواء فلما رأى ذلك إبراهيم تعجب منها وقال : يا رب قد علمت لتجمعنها فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك وقال ابن زيد : مر إبراهيم بحوت ميت نصفه في البر ونصفه في البحر فما كان في البحر فدواب البحر تأكله وما كان في البر فدواب البر تأكله فقال له إبليس الخبيث : متى يجمع الله هذه الأجزاء من بطون هؤلاء فقال : رب أرني كيف تحيي الموتى قال : أولم تؤمن قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي بذهاب وسوسة إبليس منه . أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني فيما أذن لي في روايته قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال : حدثنا محمد بن سهل قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان قال : حدثنا أبي قال : كنت جالساً مع عكرمة عند الساحل فقال عكرمة : إن الذين يغرقون في البحار تقسم الحيتان لحومهم فلا يبقى منهم شيء إلا العظام فتلقيها الأمواج على البر فتصير حائلة نخرة فتمر بها الإبل فتأكلها فتبعر ثم يجيء قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدون فتخمد تلك النار فتجيء ريح فتسفي ذلك الرماد على الأرض فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور سواء وذلك قوله تعالى (فَإِذا هُم قِيامٌ يَنظُرونَ) . وقال محمد بن إسحاق بن يسار إن إبراهيم لما احتج على نمرود فقال : ربي الذي يحيي ويميت وقال نمرود أنا أحيي وأميت ثم قتل رجلاً وأطلق رجلاً . قال : قد أمت ذلك وأحييت هذا قال له إبراهيم : فإن الله يحيي بأن يرد الروح إلى جسد ميت فقال له نمرود : هل عاينت هذا الذي تقوله ولم يقدر أن يقول نعم رأيته فتنقل إلى حجة أخرى ثم سأل ربه أن يريه إحياء الموتى لكي يطمئن قلبه عند الاحتجاج فإنه يكون مخبراً عن مشاهدة وعيان . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي : لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً استأذن ملك الموت ربه أن يأتي إبراهيم فيبشره بذلك فأتاه فقال : جئتك أبشرك بأن الله تعالى اتخذك خليلاً فحمد الله عز وجل وقال : ما علامة ذلك قال : أن يجيب الله دعاءك وتحيي الموت بسؤالك ثم انطلق وذهب فقال إبراهيم : رب أرني كيف تحيي الموتى قال : أولم تؤمن قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي بعلمي أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك أنك اتخذتني خليلاً . قوله تعالى (الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم في سَبيلِ اللهِ) قال الكلبي : نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف أما عبد الرحمن بن عوف فإنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة فقال : كان عندي ثمانية آلاف درهم فأمسكت منها لنفسي ولعيالي أربعة آلاف درهم وأربعة آلاف أقرضتها ربي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت . وأما عثمان رضي الله عنه فقال : علي جهاز من لا جهاز له في غزوة تبوك فجهز المسلمين بألف بعير بأقتابها وأحلاسها وتصدق برومة ركية كانت له على المسلمين فنزلت فيهما هذه الآية . وقال أبو سعيد الخدري : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يده يدعو لعثمان ويقول : يا رب إن عثمان بن عفان رضيت عنه فارض عنه فما زال رافعاً يده حتى طلع الفجر فأنزل الله تعالى فيه (الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم في سَبيلِ اللهِ) . قوله (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا أَنفِقوا مِن طَيِّباتِ ما كَسَبتُم) أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الصيدلاني قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن نعيم قال : حدثنا أحمد بن سهل بن حمدويه قال : حدثنا قيس بن أسيف قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر فجاء رجل بتمر رديء فنزل القرآن (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا أَنفِقوا مِن طَيِّباتِ ما كَسَبتُم وَمِمّا أَخرَجنا لَكُم مِّنَ الأَرضِ َولا تَيَمَّموا الخَبيثَ مِنهُ تُنفِقونَ) . أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد الواعظ قال : أخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي قال : حدثنا أحمد بن موسى الجماز قال : حدثنا عمر بن حماد بن طلحة قال : حدثنا أسباط بن نصر عن السدي عن عدي بن ثابت عن البراء قال : نزلت هذه الآية في الأنصار كانت تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء من التمر والبسر فيعقونها على حبل بين أسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل منه فقراء المهاجرين وكان الرجل يعمد فيخرج قنو الحشف وهو يظن أنه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء فنزل فيمن فعل ذلك (وَلا تَيَمَّموا الخَبيثَ مِنهُ تُنفِقونَ) يعني القنو الذي فيه حشف ولو أهدي إليكم ما قبلتموه . قوله (إِن تُبدو الصَدَقاتِ) قال الكلبي : لما نزل قوله تعالى (وَما أَنفَقتُم مِن نَفَقَةٍ) قالوا : يا رسول الله صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَهارِ سِرّاً وَعَلانِيةً) أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال : أخبرنا أبو عمرو بن محمد قال : أخبرنا محمد بن الحسن بن الجليل قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا محمد بن شعيب عن ابن مهدي عن يزيد بن عبد الله عن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نزلت هذه الآية (الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَهارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم) في أصحاب الخيل وقال : إن الشياطين لا تخبل أحداً في بيته فرس عتيق من الخيل وهذا قول أبي أمامة وأبي الدرداء ومكحول والأوزاعي ورباح بن يزيد قالوا : هم الذين يرتبطون الخيل في سبيل الله تعالى ينفقون عليها بالليل والنهار سراً وعلانية نزلت فيمن لم يرتبطها تخيلاً ولا افتخاراً . أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال : أخبرني الحسين بن محمد الدينوري قال : حدثنا عمر بن محمد بن عبد الله النهرواني قال : حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني قال : حدثنا علي بن داود القنطري قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني أبو شريح عن قيس بن الحجاج عن خثيم بن عبد الله الصنعاني أنه قال : حدثني ابن عباس في هذه الآية (الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم بِالَليلِ وَالنَهارِ) قال في علف الخيل ويدل على صحة هذا ما أخبرنا أبو إسحاق المقري قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس قال : أخبرنا أبو العباس عبد الله بن يعقوب الكرماني قال : حدثنا محمد بن زكريا الكرماني قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا عبد الحيد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ارتبط فرساً في سبيل الله فأنفق عليه احتساباً كان شبعه وجوعه وريه وظمؤه وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة . وأخبرنا أبو إسحاق قال : أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال : أخبرنا أبو موسى عمران بن موسى قال : حدثنا سعيد بن عثمان الخدري قال : حدثنا فارس بن عمر قال : حدثنا صالح بن محمد قال : حدثنا سليمان بن عمرو عن عبد الرحمن بن يزيد عن مكحول عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المنفق في سبيل الله على فرسه كالباسط كفيه بالصدقة) . أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الكاتب قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن شاذان الرازي . قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : حدثنا أبو سعيد الأشج قال : حدثنا زيد بن الحباب قال : أخبرنا رجاء بن أبي سلمة عن سليمان بن موسى الدمشقي عن عجلان بن سهل الباهلي قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : من ارتبط فرساً في سبيل الله لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار . قول آخر : أخبرنا محمد بن يحيى بن مالك الضبي قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الجرجاني قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله (الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَهارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً) قال : نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحداً وبالنهار واحداً وفي السر واحداً وفي العلانية واحداً . أخبرنا أحمد بن الحسين الكاتب قال : حدثنا محمد بن أحمد بن شاذان قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : حدثنا أبو سعيد الأشج قال : حدثنا يحيى بن يمان عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال : كان لعلي رضي الله عنه أربعة دراهم فأنفق درهماً بالليل ودرهماً بالنهار ودرهماً سراً ودرهماً علانية فنزلت (الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَهارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً) . وقال الكلبي : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكن يملك غير أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حملك على هذا قال : حملني أن أستوجب على الله الذي وعدني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن ذلك لك فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا اِتَّقوا اللهَ وَذَروا ما بَقِيَ مِنَ الرِبا) أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا أبو يعلى قال : حدثنا أحمد بن الأحمشي قال : حدثنا محمد بن فضيل قال : حدثنا الكلبي . عن أبي صالح . عن ابن عباس : بلغنا والله أعلم أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف وفي بني المغيرة من بني مخزوم وكانت بنو المغيرة يربون لثقيف فلما أظهر الله تعالى رسوله على مكة وضع يومئذ الربا كله فأتى بنو عمرو بن عمير وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة فقال بنو المغيرة : ما جعلنا أشقى الناس بالربا وضع عن الناس غيرنا فقال بنو عمرو بن عمير : صولحنا على أن لنا ربانا فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية والتي بعدها (فَإِن لَم تَفعَلوا فَأَذَنوا بِحَربٍ مِنَ اللهِ وَرَسولِهِ) فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من الله ورسوله يقول الله تعالى (فَإِن تُبتُم فَلَكُم رُءوسُ أَموالِكُم لا تَظلِمونَ) فتأخذون أكثر (وَلا تُظلَمونَ) فتبخسون منه . وقال عطاء وعكرمة : نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وكانا قد أسلفا في التمر فلما حضر الجداد قال لهما صاحب التمر : لا يبقى لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظكما كله فهل لكما أن تأخذا النصف وأضعف لكما ففعلا فلما حل الأجل طلبا الزيادة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهما وأنزل الله تعالى هذه الآية فسمعا وأطاعا وأخذا رءوس أموالهما . وقال السدي : نزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب) . قوله (وَإِن كانَ ذو عُسرَةٍ) قال الكلبي : قالت بنو عمرو بن عمير لبني المغيرة : هاتوا رءوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم فقالت بنو المغيرة : نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة فأبوا أن يؤخروهم فأنزل الله تعالى (وَإِن كانَ ذو عُسرَةٍ) . قوله (آَمَنَ الرَسولُ بِما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَّبِّهِ) أخبرنا الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد قال : حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي قال : حدثنا أمية بن بسطام قال : حدثنا يزيد بن ذريع قال : حدثنا روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال : لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَإِن تُبدوا ما في أَنفُسِكُم أَو تُخفوهُ يُحاسِبكُم بِهِ اللهُ) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم أراه قالوا سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم وجرت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها (آَمَنَ الرَسولُ بِما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَّبِّهِ) كلها ونسخها الله تعالى فانزل الله (لا يُكَلِّفُ الله ُنَفساً إِلا وِسعَها) إلى آخرها رواه مسلم عن أمية بن بسطام . أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : حدثنا والدي قال : حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال : حدثنا عبد الله بن عمر ويوسف بن موسى قالا : أخبرنا وكيع قال : حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية (وَإِن تُبدوا ما في أَنفُسكُم أَو تُخفوهُ يُحاسِبكُم بِهِ اللهُ) دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا فألقى الله تعالى الإيمان في قلوبهم فقالوا : سمعنا وأطعنا فأنزل الله تعالى (لا يُكَلِّفُ الله ُنَفساً إِلا وِسعَها) حتى بلغ (أوَ أَخطأنا) فقال : قد فعلت إلى آخر البقرة كل ذلك يقول قد فعلت رواه مسلم عن أبي بكر بن قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية (وَإِن تُبدوا ما في أَنفُسِكُم) جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب وقالوا : يا رسول الله والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا وما فيها وإنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا هلكنا والله فقال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت فقالوا : هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق قال : فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسى : سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا واشتد ذلك عليهم فمكثوا بذلك حولاً فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقوله (لا يُكَلِّفُ الله ُنَفساً إِلا وِسعَها) الآية فنسخت هذه الآية ما قبلها قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا به . |
سورة آل عمران قال المفسرون : قدم وفد نجران وكانوا ستين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبات وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأينا وفداً مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوهم فصلوا إلى المشرق فكلم السيد والعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسلما فقالا : قد أسلمنا قبلك قال : كذبتما منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير قالا : إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه وخاصموه جميعاً في عيسى فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى أتى عليه الفناء قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه قالوا : بلى قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً قالوا : لا قال : فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبي ثم كان يطعم ويشرب ويحدث قالوا : بلى قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم فسكتوا فأنزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها . قوله (قُل للَّذينَ كَفَروا سَتُغلَبونَ) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله المشركين يوم بدر : هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته وصفته وإنه لا ترد له راية فأرادوا تصديقه واتباعه ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا وقالوا : لا والله ما هو به وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم وقالوا : لتكونن كلمتنا واحدة ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية . وقال محمد بن إسحاق بن يسار : لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ببدر فقدم المدينة جمع اليهود وقال : يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم فقالوا : يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس فأنزل الله تعالى (قُل لِلَّذينَ كَفَروا) يعني اليهود (سَتُغلَبونَ) تهزمون (وَتُحشَرونَ إِلى جَهَنَّمَ) في الآخرة هذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس . قوله (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ) قال الكلبي : لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت فقالا له : أنت محمد قال : نعم قالا : وأنت أحمد قال : نعم قالا إنا نسألك عن شهادة فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلاني فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فأنزل الله تعالى على نبيه (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولوا العِلمِ) فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أُوتوا نَصيباً مِّنَ الكِتابِ) اختلفوا في سبب نزولها فقال السدي : دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام فقال له النعمان بن أدفى : هلم يا محمد نخاصمك إلى الأحبار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل إلى كتاب الله فقال : بل إلى الأحبار فأنزل الله تعالى هذه الآية . وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدارس على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد فقال : على ملة إبراهيم قالا : إن إبراهيم كان يهودياً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال الكلبي نزلت في قصة اللذين زنيا من خيبر وسؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن حد الزانيين وسيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى قوله (قُل اَللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ) قال ابن عباس وأنس بن مالك : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح بن عبادة حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشاءُ) . حدثنا الأستاذ أبو الحسن الثعالبي أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان أخبرنا محمد بن جعفر الميطري قال : قال حماد بن الحسن : حدثنا محمد بن خالد بن عتمة حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف قال : حدثني أبي عن أبيه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق يوم الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعاً . قال عمرو بن عوف : كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه قال : فرقى سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية فقال : يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقته علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار فأمر شاباً من اليهود كان معه فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار وكان بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ففعل فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما لصاحبه إن شئت رددتها جذعاً وغضب الفريقان جميعاً وقالا : ارجعا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة وهي حرة فخرجوا إليها فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال : يا معشر المسلمين أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم فترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً الله الله فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين فأنزل الله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا) يعني الأوس والخزرج (إِن تُطيعوا فَريقاً مِّن الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ) يعني شاساً وأصحابه (يَرُدّوكُم بَعدَ إِيمانِكُم كافِرينَ) قال جابر بن عبد الله : ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إلينا بيده فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يوماً أقبح ولا أوحش أولاً وأحسن آخراً من ذلك اليوم . قوله (وَكَيفَ تَكفُرونَ) أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري قال : حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا العباس الدوري حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال : كان بين الأوس والخزرج شر في الجاهلية فذكروا ما بينهم فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فذهب إليهم فنزلت هذه الآية (وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى عَلَيكُم آَياتُ اللهِ وَفيكُم رَسولُهُ) (وَاِعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَقوا) . أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال : أخبرنا جدي محمد بن الحسين قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ قال : حدثنا حاتم بن يونس الجرجاني قال : حدثنا إبراهيم بن أبي الليث قال : حدثنا الأشجعي عن سفيان عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال : كان الأوس والخزرج يتحدثون فغضبوا حتى كان بينهم الحرب فأخذوا السلاح بعضهم إلى بعض فنزلت (وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى عَلَيكُم آَياتُ اللهِ) إلى قوله تعالى (فَأَنقَذَكُم مِّنها) . قوله (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ) قال عكرمة ومقاتل : نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم : إن ديننا خير مما تدعونا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (لَن يَضُرّوكُم إِلّا أَذىً) قال مقاتل : إن رءوس اليهود كعب ويحرى والنعمان وأبو رافع وأبو ياسر وابن صوريا عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه فآذوهم لإسلامهم فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (لَيسوا سَواءً) قال ابن عباس ومقاتل : لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعنة وأسيد بن سعنة وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت أحبار اليهود : ما آمن لمحمد إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم : لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم ديناً غيره فأنزل الله تعالى (لَيسوا سَواءً) وقال ابن مسعود : نزلت الآية في صلاة العتمة يصليها المسلمون ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها . أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الرازي قال : أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيري قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : حدثنا أبو خيثمة قال : حدثنا هاشم بن القاسم قال : حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال : أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم قال : فأنزلت هذه الآيات (لَيسوا سَواءً مِّن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ) إلى قوله (وَاللهُ عَليمٌ بِالمُتَّقينَ) . أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نوح قال : أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال : أخبرنا محمد بن المسيب قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن زجر عن سليمان عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال : احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وكان عند بعض أهله أو نسائه فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع فبشرنا فقال : إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب وأنزلت (لَيسوا سَواءً مِّن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ آَياتِ اللهِ آَناءَ اللَّيلِ وَهُم يَسجُدونَ) . قوله (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا بِطانَةً مِّن دونِكُم) قال ابن عباس ومجاهد : نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويواصلون رجلاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم . قوله (إِذ غَدَوتَ مِّن أَهلِكَ) نزلت هذه الآية في غزوة أحد أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال : أخبرنا أبو علي الفقيه قال : أخبرنا أبو القاسم البغوي قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن ابن عون عن المسعر بن مخرمة قال : قلت لعبد الرحمن بن عوف : أي خالي أخبرني عن قصتكم يوم أحد فقال : اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد (وَإِذ غَدَوتَ مِّن أَهلِكَ تُبَوِّيءُ المُؤمِنينَ) إلى قوله تعالى (ثُمَّ أَنزَلَ عَليكُم مِّن بَعدِ الغَمِ أَمَنَةً نُّعاسًا) . قوله تعالى (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ) أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي قال : حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال : حدثنا عبيدة بن حميد عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ودمى وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم قال : فأنزل الله تعالى (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ) . أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الرازي قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد قال : حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاناً وفلاناً فأنزل الله عز وجل (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ) رواه البخاري عن حيان عن ابن المبارك عن معمر ورواه مسلم من طريق ثابت عن أنس . أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : أخبرنا مسلم بن الحجاج قال : حدثنا العقبي قال : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه وجعل يسيل الدم عنه ويقول : كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله عز وجل (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ) . أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال : أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع : ربنا لك الحمد اللهم العن فلاناً وفلاناً دعا على ناس من المنافقين فأنزل الله عز وجل (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ) رواه البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وسياقه أحسن من هذا . أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال : حدثنا الحر بن نصر قال : فروى علي بن وهب أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : أخبرني شعيب بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يفرغ في صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه ويقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يقول وهو قائم : اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك لما نزلت (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ) رواه البخاري عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن الزهري . قوله تعالى (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) قال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت الآية في نبهان الثمار أتته امرأة حسناء باع منها تمراً فضمها إلى نفسه وقبلها ثم ندم على ذلك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فنزلت هذه الآية . وقال في رواية الكلبي : إن رجلين أنصارياً وثقفياً آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فكانا لا يفترقان فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وخرج معه الثقفي وخلف الأنصاري في أهله وحاجته وكان يتعاهد أهل الثقفي فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها فوقعت في نفسه فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها فذهب ليقبلها فوضعت كفها على وجهها فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحيا فأدبر راجعاً فقالت : سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك قال : فندم على صنيعه فخرج يسيح في الجبال ويتوب إلى الله تعالى من ذنبه حتى وافى الثقفي فأخبرته أهله بفعله فخرج يطلبه حتى دل عليه فوافقه ساجداً وهو يقول : رب ذنبي قد خنت أخي فقال له : يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل لك فرجاً وتوبة فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة وكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل عليه السلام بتوبته فتلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) إلى قوله (وَنِعمَ أَجرُ العامِلينَ) فقال عمر : يا رسول الله أخاص هذا لهذا الرجل أم للناس عامة قال : بل للناس عامة . أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز المروزي إجازة قال : أخبرنا محمد بن الحسن الحدادي قال : أخبرنا محمد يحيى قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا روح قال : حدثنا محمد عن أبيه عن عطاء : أن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أبنو إسرائيل أكرم على الله منا كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجذع أذنك اجذع أنفك افعل كذا فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخير من ذلك فقرأ هذه الآيات . قوله تعالى (وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا) قال ابن عباس : انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم لا يعلون علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر فأنزل الله تعالى هذه الآيات وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم فذلك قوله (وَأَنتُم الأَعلونَ) . قوله (إِن يَمسَسكُم قَرحٌ) قال راشد بن سعد : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كئيباً حزيناً يوم أحد جعلت المرأة تجيء بزوجها وابنها مقتولين وهي تلدم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهكذا يفعل برسولك فأنزل الله تعالى (إِن يَمسَسكُم قَرحٌ) . قوله (وَما مُحمَّدٌ إِلّا رَسولٌ) قال عطية العوفي : لما كان يوم أحد انهزم الناس فقال بعض الناس : قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم فإنما هم إخوانكم وقال بعضهم : إن كان محمد قد أصيب ألا ما تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به فأنزل الله تعالى في ذلك (وما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُسُلُ) إلى (وَكأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنوا لِما أَصابَهُم في سَبيلِ الله ِوَما ضَعُفوا) - لقتل نبيهم - إلى قوله (فَآتاهُمُ الله ُثَوابَ الدُنيا) . قوله (سَنُلقي في قُلوبِ الَّذينَ كَفَروا الرُعبَ) قال السدي : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم إنهم ندموا وقالوا : بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به وأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (وَلَقد صَدَقَكُمُ اللهُ وَعدَهُ) قال محمد بن كعب القرظي : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر فأنزل الله تعالى (وَلَقَد صَدَقَكُمُ اللهُ وَعدَهُ) إلى قوله (مِنكُم مَّن يُريدُ الدُنيا) يعني الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد . قوله تعالى (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي قال : أخبرنا أبو عمرو بن محمد بن أحمد الحيري قال : أخبرنا أبو يعلى قال : حدثنا أبو عبد الله بن أبان قال : حدثنا ابن المبارك قال : حدثنا شريك عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال : فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال أناس : لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فأنزل الله تعالى (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) قال حصيف : قلت لسعيد بن جبير : ما كان لنبي أن يغل فقال : بل يغل ويقتل . أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار قال : حدثنا أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي قال : حدثنا أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ وما كان لنبي أن يُغَلَّ ويقول : كيف لا يكون له أن يغل وقد كان يقتل قال الله تعالى (وَيَقتُلونَ الأَنبِياءَ) ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة فأنزل الله عز وجل (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) . أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني قال : أخبرنا عبد الله بن محمد الأصفهاني قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا وكيع عن سلمة عن الضحاك . قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة وقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئاً فلما قدمت الطلائع قالوا : قسم الفيء ولم يقسم لنا فنزلت (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) قال سلمة : قرأها الضحاك يغل . وقال ابن عباس في رواية الضحاك : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في يده غنائم هوازن يوم حنين غله رجل بمخيط فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال قتادة : نزلت وقد غل طوائف من أصحابه وقال الكلبي ومقاتل : نزلت حين ترك الرماة المركز يوم أحد طلباً للغنيمة وقالوا : نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أخذ شيئاً فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم فأنزل الله تعالى هذه الآية . وروى عن ابن عباس أن أشراف الناس استدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصصهم بشيء من الغنائم فنزلت هذه الآية . قوله (أَولَمّا أَصابَتكُم مُّصيبَةٌ) قال ابن عباس : حدثني عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة من رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله تعالى (أَوَلَمّا أَصابَتكُم مُصيبَةٌ) إلى قوله (قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم) قال بأخذكم الفداء . قوله (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً) أخبرنا محمد بن محمد بن يحيى قال : أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجلالي قال : أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا : من يبلغ إخواننا أنا في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ) . رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من طريق عثمان بن أبي شيبة . أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الغازي قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال : أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا ابن إدريس فذكره رواه الحاكم عن علي بن عيسى الحيري عن مسدد عن عثمان بن أبي شيبة . أخبرنا أبو بكر الحارثي حدثنا أبو الشيخ الحافظ قال : أخبرنا أحمد بن الحسين الحذاء قال علي بن المديني قال : حدثنا موسى بن إبراهيم بن بشير بن الفاكه الأنصاري أنه سمع طلحة بن حراش قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مالي أراك مهتماً قلت : يا رسول الله قتل أبي وترك ديناً وعيالاً فقال : ألا أخبرك ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحاً فقال : يا عبدي سلني أعطك قال : أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال : يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) . أخبرني أبو عمرو القنطري فيما كتب إلي قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : أخبرنا محمد بن يحيى قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) قال : لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير يوم أحد ورأوا ما رزقوا من الخير قالوا : ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) إلى قوله (لا يُضيعُ أَجرَ المُؤمِنينَ) . وقال أبو الضحى نزلت هذه الآية في أهل أحد خاصة . وقال جماعة من أهل التفسير : نزلت الآية في شهداء بئر معونة وقصتهم مشهورة ذكرها محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي . وقال آخرون : إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا : نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفيساً عنهم وإخباراً عن حال قتلاهم . قوله (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقري قال : أخبرنا شعيب بن محمد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا روح قال : حدثنا أبو يونس القشيري عن عمرو بن دينار أن رسول الله صلى الله عله وسلم استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون فاستجاب له سبعون رجلاً فطلبهم فلقي أبو سفيان عيراً من خزاعة فقال لهم : إن لقيتم محمداً يطلبني فأخبروه أني في جمع كثير فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن أبي سفيان فقالوا : لقيناه في جمع كثير ونراك في قلة ولا نأمنه عليك فأبى رسول الله إلا أن يطلبه . فسبقه أبو سفيان فدخل مكة فأنزل الله تعالى فيهم (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) حتى بلغ (فَلا تَخافوهُم وَخافونِ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ) . أخبرنا عمر بن عمرو قال : أخبرنا محمد بن مكي قال : أخبرنا محمد بن يوسف قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل قال : أخبرنا محمد قال : أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) إلى آخرها قال : قالت لعروة : يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما أصاب وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال : من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلاً كان فيهم أبو بكر والزبير . قوله (الَّذينَ قالَ لَهُمُ الناسُ) أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال : أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمد قال : أخبرنا أبو حاتم التميمي قال : أخبرنا أحمد بن الأزهر قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذاك يوم أحد بعد القتل والجراحة وبعد ما انصرف المشركون أبو سفيان وأصحابه قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ألا عصابة تشدد لأمر الله فتطلب عدوها فإنه أنكى للعدو وأبعد للسمع فانطلق عصابة على ما يعلم الله من الجهد حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل فأنزل الله تعالى فيهم (الَّذينَ قالَ لَهُمُ الناسُ إِنَّ الناسَ قَد جَمَعوا لَكُم فاِخشُوهُم) إلى قوله (وَالله ُذو فَضلٍ عَظيمٍ) . قوله (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنينَ عَلى ما أَنتُم عَليهِ) قال السدي : قال رسول الله صلى الله عليهم وسلم : عرضت علي أمتي في صورها كما عرضت على آدم وأعلمت من يؤمن لي ومن يكفر فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا وقالوا : يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال الكلبي : قالت قريش : تزعم يا محمد أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال أبو العالية : سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن والمنافق فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَبخَلونَ بِما آَتاهُمُ اللهُ) جمهور المفسرين على أنها في مانعي الزكاة . وروى عطية عن ابن عباس أن الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وأراد بالبخل : كتمان العلم الذي آتاهم الله تعالى . قوله (لَقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالوا) قال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق : دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات يوم بيت مدارس اليهود فوجد ناساً من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم فقال أبو بكر لفنحاص : اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة فآمن وصدق وأقرض الله قرضاً حسناً يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب فقال فنحاص : يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقاً فإن الله إذا لفقير ونحن أغنياء ولو كان غنياً ما استقرضنا أموالنا فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد انظر إلى ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ما الذي حملك على ما صنعت فقال : يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيماً زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فغضبت لله وضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص فأنزل الله عز وجل رداً على فنحاص وتصديقاً لأبي بكر (لَقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالُوا) . أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال : أخبرنا جعفر بن الليث الروذباري قال : حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : نزلت في اليهود صك أبو بكر رضي الله عنه وجه رجل منهم وهو الذي قال : إن الله فقير ونحن أغنياء قال شبل : بلغني أنه فنحاص اليهودي وهو الذي قال (يَدُ اللهِ مَغلولَة) . قوله تعالى (الَّذينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلينا) قال الكلبي : نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوه وفي فنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تزعم أن الله بعثك إلينا رسولاً وأنزل عليك كتاباً وإن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (وَلتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أذىً كَثيراً) . أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال : أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصلحهم فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الأذى فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك وفيهم أنزل الله (وَلتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ) . أخبرنا عمرو بن عمرو المزكي قال : أخبرنا محمد بن مكي قال : أخبرنا محمد بن يوسف قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل قال : أخبرنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وسار يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشى المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال : لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلم تؤذينا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة : بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته وسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له : يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال : كذا وكذا فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي نزل عليك وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (وَلتَسمَعَنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أَذىً كَثيراً) . قوله (لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا) أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو الهيثم المروزي قال : أخبرنا محمد بن يوسف قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري قال : أخبرنا سعيد بن أبي مريم قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت (لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا) . ورواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني على ابن أبي مريم . أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال : أخبرنا محمد بن جهل قال : أخبرنا جعفر بن عوف قال : حدثنا هشام بن سعد قال : حدثنا يزيد بن أسلم أن مروان بن الحكم كان يوماً وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن خديج فقال مروان : يا أبا سعيد أرأيت قوله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا وَّيُحِبّونَ أَن يُحمَدوا بِما لَم يَفعَلوا) والله إنا لنفرح بما أتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل فقال أبو سعيد : ليس هذا في هذا وإنما كان رجال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي فإذا كانت فيهم النكبة وما يكره فرحوا بتخلفهم فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم وأحبوا أن أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال : أخبرنا أبو سعيد بن حمدون قال : أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه : اذهب إلى ابن عباس وقل له : لئن كان امرؤ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذب لنعذبن أجمعين فقال ابن عباس : مالكم ولهذا إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ثم قرأ ابن عباس (وإِذ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلناسِ) رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام . ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن حجاج كلاهما عن ابن جريج . وقال الضحاك : كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها : إن محمداً ليس نبي الله فاثبتوا على دينكم واجمعوا كلمتكم على ذلك فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ففرحوا بذلك وقالوا : الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا وقالوا : نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله فذلك قول الله تعالى (يَفرَحونَ بِما أَتَوا) بما فعلوا (وَيُحِبّونَ أَن يُحمَدوا بِما لَم يَفعَلوا) يعني بما ذكروا من الصوم قوله (إِنَّ في خَلقِِ السَمَواتِ وَالأَرضِ) . أخبرنا أبو إسحاق المقري قال : أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي قال : حدثنا أحمد بن نجدة قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا ما جاءكم به موسى من الآيات قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم فقالوا : يبريء الأكمه والأبرص ويحي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم . فقالوا : ادع لنا ربك يجعل الصفا ذهباً فأنزل الله (إِنَّ في خَلقِ السَمَواتِ وَالأَرضِ وَاِختِلافِ اللَّيلِ وَالنَهارِ لآياتٍ لأُولي الأَلبابِ) . قوله تعالى (فَاِستَجابَ لَهُم رَبُّهُم) أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال : أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال : حدثنا جعفر بن محمد بن سوار قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن سلمة بن عمرو بن أبي سلمة رجل من ولد أم سلمة قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله تعالى (فَاِستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِّنكُم مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى) . رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن ابن عون محمد بن أحمد بن ماهان عن محمد بن علي بن زيد عن قوله تعالى (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبَ الَّذينَ كَفَروا في البِلادِ) نزلت في مشركي مكة وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت هذه الآية . قوله (وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ لَمَن يُؤمِنُ بِاللهِ) قال جابر بن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة : نزلت في النجاشي وذلك لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم فقالوا : ومن هو فقال : النجاشي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له وقال لأصحابه : استغفروا له فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر إملاء قال : أخبرني جعفر بن محمد بن سنان الواسطي قال : أخبرنا أبو هاني محمد بن بكار الباهلي قال : حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي فقال بعضهم لبعض : يأمرنا أن نصلي على علج من الحبشة فأنزل الله تعالى (وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ لَمَن يُؤمِنُ بِاللهِ وَما أُنزِلَ إِليكُم) . وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد : نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم . قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا اِصبِروا وَصابِروا) أخبرنا سعيد بن أبي عمرو الحافظ قال : أخبرنا أبو علي الفقيه قال : حدثنا محمد بن معاذ الباليني قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي قال : حدثنا ابن المبارك قال : أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال : حدثني داود بن صالح قال : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا اِصبِروا وَصابِروا وَرابِطوا) قال : قلت لا قال : إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثغر يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة . رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي محمد المزني عن أحمد بن نجدة عن سعيد بن منصور عن ابن المبارك . |
سورة النساء قوله عز وجل (وَآَتوا اليَتامى أََموالَهُم) قال مقاتل والكلبي : نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع إليه ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره يعني جنته فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ثبت الأجر وبقي الوزر فقالوا : يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله فقال : ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده . قوله (وإِن خِفتُم أَلّا تُقسِطوا في اليَتامى) أخبرنا أبو بكر التميمي أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى (وَإِن خِفتُم أَلّا تُقسِطوا) . قالت : أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة وهو وليها ولها مال قال وليس لها أحد يخاصم دونها فلا ينكحها حباً لمالها ويضربها ويسيء صحبتها فقال الله تعالى (وَإِن خِفتُم أَلّا تُقسِطوا في اليَتامى فانكِحوا ما طابَ لَكُم مِّنَ النِساءِ) يقول : ما أحللت لك ودع هذه . رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة عن هشام . وقال سعيد بن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدي : كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء ويتزوجون ما شاءوا فربما عدلوا وربما لم يعدلوا فلما سألوا عن اليتامى فنزلت آية اليتامى (وَآتُوا اليَتامى أَموالَهُم) . أنزل الله تعالى أيضاً (وَإِن خِفتُم أَلاّ تُقسِطوا في اليَتامى) . يقول : كما خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن فلا تتزوجوا أكثر ما يمكنكم القيام بحقهن لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز وهذا قول ابن عباس في رواية الوالبي . قوله تعالى (وَاِبتَلوا اليَتامى) . نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتاً وهو صغير فأتى عم ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (لِلرِجالِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ) . قال المفسرون : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها أم كحة وثلاث بنات له منها فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما سويد وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته شيئاً ولا بناته وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً إنما يورثون الرجال الكبار وكانوا يقولون : لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وحاز الغنيمة فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأة وليس عندي ما أنفق عليهن وقد ترك أبوهن مالاً حسناً وهو عند سويد وعرفجة لم يعطياني ولا بناته من المال شيئاً وهن في حجري ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأساً فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاً ولا ينكى عدواً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن فانصرفوا فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (إِنَّ الَّذينَ يَأَكُلونَ أَموالَ اليَتامى ظُلماً) . قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله فأنزل الله فيه هذه الآية . قوله (يُوصِيكُمُ اللهُ في أَولادِكُم) . أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال : أخبرنا المؤمل بن الحسين بن عيسى قال : حدثنا الحسين بن محمد بن الصباح قال : حدثنا الحجاج عن ابن جريج قال : أخبرني ابن المنكدر عن جابر قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان فوجداني لا أعقل فدعا بماء فتوضأ ثم رش علي منه فأفقت فقلت : كيف أصنع في مالي يا رسول الله فنزلت (يُوصيكُمُ الله ُفي أَولادِكُم) . رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام ورواه مسلم عن محمد بن حاتم عن صباح كلاهما عن ابن جريج . أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال : أخبرنا علي بن عمر بن المهدي قال : حدثنا يحيى بن صاعد قال : حدثنا أحمد بن المقدام قال : حدثنا بشر بن الفضل قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال : جاءت امرأة بابنتين لها فقالت : يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس أو قالت سعد بن الربيع قتل معك يوم أحد وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه فما ترى يا رسول الله فوالله ما ينكحان أبداً إلا ولهما مال فقال : يقضي الله في ذلك فنزلت سورة النساء وفيها (يُوصيكُمُ اللهُ في أَولادِكُم لِلذَكَرِ مِثلُ حَظُ الأُنثَيَينِ) إلى آخر الآية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي المرأة وصاحبها فقال لعمهما : أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك . قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِساءَ كَرهاً) . أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال : حدثنا عبد الله بن محمد الأصفهاني قال : حدثنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا أسباط بن محمد عن الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس قال أبو إسحاق الشيباني وذكره عطاء بن الحسين السوائي ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس هذه الآية (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِساءَ كَرهاً) قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها وهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك . رواه البخاري في التفسير عن محمد بن مقاتل . ورواه في كتاب الإكراه عن حسين بن منصور كلاهما عن أسباط . قال المفسرون : كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قرابته من عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة فصار أحق بها من نفسها ومن غيره فإن شاء أن يتزوجها تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت وإن شاء زوجها غير وأخذ صداقها ولم يعطها شيئاً وإن شاء عضلها وضارها لتفتدي منه بما ورثت من الميت . أو تموت هي فيرثها فتوفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأة كبيشة بنت معن الأنصارية فقام ابن له من غيرها يقال له حصن وقال مقاتل : اسمه قيس بن أبي قيس فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ثم تركها فلم يقربها ولم ينفق عليها يضارها لتفتدي منه بمالها فأتت كبيشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث ابنه نكاحي وقد أضرني وطول علي فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ولا هو يخلي سبيلي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله قال : فانصرفت وسمعت بذلك النساء في المدينة فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن : ما نحن إلا كهيئة كبيشة غير أنه لم ينكحها الأبناء ونكحنا بنو العم فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله (وَلا تَنكِحوا ما نَكَحَ آَباؤُكُم مِّنَ النِساءِ) . نزلت في حصن بن أبي قيس تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن وفي الأسود بن خلف تزوج امرأة أبيه وصفوان بن أمية بن خلف تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب وفي منصور بن ماذن تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة . وقال أشعث بن سوار توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت : إني أعدك ولداً ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره فأتته فأخبرته فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (وَالمُحصَناتُ مِنَ النِساءِ إِلّا ما مَلَكَت أَيمانُكُم) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن البناني قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال : أخبرنا أبو يعلى قال : أخبرنا عمر الناقد قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي عليه الصلاة والسلام فنزلت (وَالمُحصَناتُ مِنَ النِساءِ إِلاّ ما مَلَكَت أَيمانُكُم) فاستحللناهن . أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال : حدثنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل بن عثمان وقال عبد الرحيم عن أشعث بن سوار عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد قال : لما سبا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس قلنا يا نبي الله كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن فنزلت هذه الآية (وَالمُحصَناتُ مِنَ النِساءِ إِلاّ ما مَلَكَت أَيمانُكُم) . أخبرنا أبو مكي الفارسي أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد بن عروة عن قتادة عن صالح أبي خليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشاً إلى أوطاس ولقى عدواً فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا وكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله في ذلك (وَالمُحصَناتُ مِنَ النِساءِ إِلاّ ما مَلَكَت أَيمانُكُم) . قوله (وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ) أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم الصوفي أخبرنا إسماعيل بن نجيد حدثنا جعفر بن محمد بن سوار أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله تعالى (وَلا تَتَمنوا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ) . أخبرنا محمد بن عبد العزيز أن محمد بن الحسين أخبرهم عن محمد بن يحيى بن يزيد أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عتاب بن بشير عن حصيف عن عكرمة أن النساء سألن الجهاد فقلن : وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال فأنزل الله تعالى (وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ) . وقال قتادة والسدي : لما نزل قوله (لِلذَكَرِ مِثلُ حَظِ الأُنثَيَينِ) قال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء وقالت النساء : إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا فأنزل الله تعالى (وَلا تَتَمَنَّوا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ) . قوله تعالى (وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ) . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن حمويه الهروي قال : أخبرنا محمد بن محمد الموافي قال : حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال : أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال : قال سعيد بن المسيب : نزلت هذه الآية (وَلِكُلٍّ جَعَلنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأَقرَبونَ) في الذين كانوا يتبنون رجالاً غير أبنائهم ويورثونهم فأنزل الله تعالى فيهم أن يجعل لهم نصيب في الوصية ورد الله تعالى الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة وأبى أن يجعل للمدعين ميراث من ادعاهم ويتبناهم ولكن جعل نصيباً في الوصية . قوله تعالى (الرِجالُ قَوّامونَ عَلى النِساءِ) . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع وكان من النقباء وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي هريرة وهما من الأنصار وذلك أنها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لتقتص من زوجها وانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارجعوا هذا جبريل عليه السلام أتاني وأنزل الله تعالى هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير ورفع القصاص . أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال : أخبرنا زاهد بن أحمد قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال : حدثنا زياد بن أيوب قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا يونس عن الجهني أن رجلاً لطم امرأته فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء معها أهلها فقالوا : يا رسول الله إن فلاناً لطم صاحبتنا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : القصاص القصاص ويقضي قضاء فنزلت هذه الآية (الرِجالُ قَوّامونَ عَلى النِساءِ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل العسكري قال : حدثنا علي بن هشام عن إسماعيل عن الحسن قال : لما نزلت آية القصاص بين المسلمين لطم رجل امرأته فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي لطمني فالقصاص قال القصاص فبينا هو كذلك أنزل الله تعالى (الرِجالُ قَوّامونَ عَلى النِساءِ بِما فَضَّلَ الله ُبَعضَهُم عَلى بَعضٍ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أردنا أمراً فأبى الله تعالى خذ أيها الرجل بيد امرأتك . قوله تعالى (الَّذينَ يَبخَلونَ وَيأَمُرونَ الناسَ بِالبُخلِ) قال أكثر المفسرين : نزلت في اليهود كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبينوها للناس وهم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم . وقال الكلبي : هم اليهود بخلوا أن يصدقوا من أتاهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتابهم وقال مجاهد . الآيات الثلاث إلى قوله (عَليماً) نزلت في اليهود . وقال ابن عباس وابن زيد : نزلت في جماعة من اليهود كانوا يأتون رجالاً من الأنصار يخالطونهم وينصحونهم ويقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر فأنزل الله تعالى (الَّذينَ يَبخَلونَ وَيأمُرونَ الناسَ بِالبُخلِ) قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى) : نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشربون الخمر ويحضرون الصلاة وهم نشاوى أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : حدثنا أبو يحيى قال حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا أبو عبد الرحمن الإفريقي قال : حدثنا عطاء عن أبي عبد الرحمن قال : صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً ودعا أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فطعموا وشربوا وحضرت صلاة المغرب فتقدم بعض القوم فصلى بهم المغرب فقرأ (قُل يا أَيُّها الكافِرونَ) فلم يقمها فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى حَتّى تَعلَموا ما تَقولونَ) . قوله تعالى (فَلَم تَجِدوا ماءً فَتَيَمَّموا صَعيداً طَيِّبا) أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق قال : حدثنا أبو عمرو بن مطر قال : حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي قال : حدثنا يحيى قال : قرأت على مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : أجلست رسول الله والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت : فعاتبني أبو بكر وقال : ما شاء الله أن يقول فجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله تعالى آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت عائشة : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته . رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك . أخبرنا أبو محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : حدثنا أبي عن أبي صالح عن ابن شهاب قال : حدثني عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمار بن ياسر قال : عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الجيش ومعه عائشة زوجته فانقطع عقد لها من جذع أظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس معهم ماء فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم قصة التطهر بالصعيد الطيب فقام المسلمون فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم فلم يقبضوا من التراب شيئاً فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط . قال الزهري : قوله تعالى (أَِلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يُزَكّونَ أَنفُسَهُم) . قال الكلبي : نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطفالهم وقالوا : يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب قال : لا فقالوا : والذي نحلف به ما نحن إلا كهيئتهم ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار فهذا الذي زكوا به أنفسهم . قوله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أَوُتوا نَصيباً مِنَ الكِتابِ يُؤمِنونَ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ) أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : أخبرنا والدي قال : حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال : حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال : حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة قال : جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة فقالوا لهم : أنتم أهل الكتاب وأهل العلم القديم فأخبرونا عنا وعن محمد فقالوا : ما أنتم وما محمد قالوا : نحن ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونفك العاني ونصل الأرحام ونسقي الحجيج وديننا القديم ودين محمد الحديث قالا : بل أنتم خير منه وأهدى سبيلاً فأنزل الله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أُوتوا نَصيباً مِنَ الكِتابِ) إلى قوله تعالى (وَمَن يَلعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصيراً) . وقال المفسرون : خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشاً على غدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل كعب على أبي سفيان ونزلت اليهود في دور قريش فقال أهل مكة : إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكر منكم فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما فذلك قوله (يُؤمِنونَ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ) ثم قال كعب لأهل مكة : ليجيء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد ففعلوا ذلك فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقاً وأقرب إلى الحق أنحن أم محمد فقال كعب : اعرضوا على دينكم فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم الماء ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمر بيت ربنا ونطوف به ونحن أهل الحرم ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم وديننا القديم ودين محمد الحديث فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلاً مما هو عليه فأنزل الله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أُوتوا نَصيباً من الكتاب) يعني كعباً وأصحابه . قوله تعالى (أُولَئِكَ لَعَنَهُمُ اللهُ) . أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقري قال : أخبرنا أبو سفيان بن محمد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا روح قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : نزلت هذه الآية في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب رجلين من اليهود من بني النضر لقيا قريشاً بالموسم فقال لهما المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه فإنا أهل السدانة والسقاية وأهل الحرم فقالا : بل أنتم أهدى من محمد فهما يعلمان أنهما كاذبان إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه فأنزل الله تعالى (أُولَئِكَ الَّذينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصيراً) فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما : إن محمداً يزعم أنه قد نزل فيكما كذا وكذا فقالا : صدق والله ما حملنا على ذلك إلا بغضه وحسده . قوله (إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهلِها) نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي من بني عبد الدار كان سادن الكعبة فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب البيت وصعد السطح فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح فقيل : إنه مع عثمان فطلب منه فأبى وقال : لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه المفتاح فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى فيه ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية والسدانة فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه ففعل ذلك علي فقال له عثمان : يا علي أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال : لقد أنزل الله تعالى في شأنك وقرأ عليه هذه الآية فقال عثمان : أشهد أن محمداً رسول الله وأسلم فجاء جبريل عليه السلام فقال : ما دام هذا البيت فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان وهو اليوم في أيديهم . أخبرنا أبو حسان المزكي قال : أخبرنا هارون بن محمد الاستراباذي قال : حدثنا أبو محمد الخزاعي قال : حدثنا أبو الوليد الأزرقي قال : حدثنا جدي عن سفيان عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد في قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهلِها) قال : نزلت في ابن طلحة قبض النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة فدخل الكعبة يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال : خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلا ظالم . أخبرنا أبو نصر المهرجاني قال : حدثنا عبيد الله بن محمد الزاهد قال : حدثنا أبو القاسم المقري قال : حدثني أحمد بن زهير قال : أخبرنا مصعب قال : حدثنا شيبة بن عثمان بن أبي طلحة قال : دفع النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح إلي وإلى عثمان وقال : خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم فبنوا أبي طلحة الذين يلون سدانة الكعبة دون بني عبد الدار . قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا أَطيعوا اللهَ وَأَطيعوا الرَسولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم) أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي زكريا الحافظ قال : أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال : حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (أَطيعوا اللهَ وَأَطيعوا الرَسولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم) قال : نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية . رواه البخاري عن صدقة بن فضل ورواه مسلم عن زهير بن حرب كلاهما عن حجاج وقال ابن عباس في رواية بأذان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سرية إلى حي من أحياء العرب وكان معه عمار بن ياسر فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عرض لكي يصبحهم فأتاهم النذير فهربوا عن رجل قد كان أسلم فأمر أهله أن يتأهبوا للمسير ثم انطلق حتى أتى عسكر خالد ودخل على عمار فقال : يا أبا اليقظان إني منكم وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا وأقمت لإسلامي أفنافعي ذلك أو أهرب كما هرب قومي فقال : أقم فإن ذلك نافعك وانصرف الرجل إلى أهله وأمرهم بالمقام وأصبح خالد فغار على القوم فلم يجد غير ذلك الرجل فأخذه وأخذ ماله فأتاه عمار فقال : خل سبيل الرجل فإنه مسلم وقد كنت أمنته وأمرته بالمقام فقال خالد : أنت تجير علي وأنا الأمير فقال : نعم أنا أجير عليكم وأنت الأمير فكان في ذلك بينهما كلام فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبر الرجل فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم وأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير بعد ذلك على أمير بغير إذنه . قال : واستب عمار وخالد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ عمار لخالد فغضب خالد وقال : يا رسول الله أتدع هذا العبد يشتمني فوالله لولا أنت ما شتمني وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا خالد كف عن عمار فإنه من يسب عماراً يسبه الله ومن يبغض عماراً يبغضه الله فقام عمار فتبعه خالد فأخذ بثوبه وسأله أن يرضى عنه فرضي عنه فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمر بطاعة أولي الأمر . قوله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آَمَنوا بِما أُنزِلَ إِليكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ) . أخبرنا سعيد بن محمد العدل قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا الحسن بن سفيان قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا صفوان بن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان أبو بردة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه فتنافر إليه أناس من أسلم فأنزل الله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ) إلى قوله (رَفيقاً) . أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أبو صالح بن شعيب بن محمد قال : حدثنا أبو حامد التميمي قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا رويم قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصار يقال له قيس وفي رجل من اليهود في مماراة كانت بينهما في حق تدارءا فيه فتنافرا إلى كاهن بالمدينة ليحكم بينهما وتركا نبي الله صلى الله عليه وسلم فعاب الله تعالى ذلك عليهما وكان اليهودي يدعوه إلى نبي الله وقد علم أنه لن يجور عليه وجعل الأنصاري يأبى عليه وهو يزعم أنه مسلم ويدعوه إلى الكاهن فأنزل الله تعالى ما تسمعون وعاب على الذي يزعم أنه مسلم وعلى اليهودي الذي هو من أهل الكتاب فقال (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آَمَنوا بِما أُنزِلَ إِليكَ) إلى قوله (يَصُدونَ عَنكَ صُدوداً) . أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا إسحاق الحنظلي قال : أخبرنا المؤملي قال حدثنا يزيد بن زريع عن داود عن الشعبي قال : كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة ودعا المنافق اليهودي إلى حاكمهم لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم فلما اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهناً في جهينة فأنزل الله تعالى في ذلك (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آَمَنوا بِما أُنزِلَ إِليكَ) يعني المنافق (وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ) يعني اليهودي (يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ) إِلى قوله (وَيُسَلِموا تَسليماً) . وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومه فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد وقال المنافق : بل نأتي كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصما إليه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال : ننطلق إلى عمر بن الخطاب فأقبلا إلى عمر فقال اليهودي : اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه مخاصم إليك وتعلق بي فجئت إليك معه فقال عمر للمنافق : أكذلك قال : نعم فقال لهما : رويداً حتى أخرج إليكما فدخل عمر وأخذ السيف فاشتمل عليه ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله وهرب اليهودي ونزلت هذه الآية وقال جبريل عليه السلام : إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق . وقال السدي : كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير قتل به وأخذ ديته مائة وسق من تمر وإذا قتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقاً من تمر وكانت النضير حلفاء الأوس وكانوا أكبر وأشرف من قريظة وهم حلفاء الخزرج فقتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة واختصموا في ذلك فقالت بنو النضير : إنا وأنتم اصطلحنا في الجاهلية على أن يقتل منكم ولا تقتلوا منا وعلى أن ديتكم ستون وسقاً والوسق ستون صاعاً وديتنا مائة وسق فنحن نعطيكم ذلك فقالت الخزرج : هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية لأنكم كثرتم وقللنا فقهرتمونا ونحن وأنتم اليوم أخوة وديننا ودينكم واحد وليس لكم علينا فضل فقال المنافقون : انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي وقال المسلمون : لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم فقال : أعظموا اللقمة : يعني الرشوة فقالوا : لك عشرة أوسق قال : لا بل مائة وسق ديتي فإني أخاف إن نفرت النضيري قتلتني قريظة وإن نفرت القريظي قتلتني النضير فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم فأنزل الله تعالى هذه الآية فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كاهن أسلم إلى الإسلام فأبى فانصرف فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابنيه : أدركا أباكما فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبداً فأدركاه فلم يزالا به حتى انصرف وأسلم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى : ألا إن كاهن أسلم قد أسلم . قوله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجرَ بَينَهُم) نزلت في الزبير بن العوام وخصمه حاطب بن أبي بلتعة وقيل هو ثعلبة بن حاطب . أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير عن أبيه أنه كان يحدث أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة كانا يسقيان بها كلاهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير : اسق ثم أرسل إلى جارك فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير : اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فاستوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه وكان قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة للأنصاري وله فلما أحفظ الأنصاري رسول الله استوفى للزبير حقه في صريح الحكم قال عروة : قال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجاً مِّمّا قَضَيتَ وَيُسَلِموا تَسليماً) . رواه البخاري عن علي بن عبد الله عن محمد بن جعفر عن معمر . ورواه مسلم عن قتيبة عن الليث كلاهما عن الزهري . أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن الحسن الشيباني قال : حدثنا أحمد بن حماد زغبة قال : حدثنا حماد بن يحيى بن هانيء البلخي قال : حدثنا سفيان قال : حدثني عمرو بن زياد عن أبي سلمة عن أم سلمة أن الزبير بن العوام خاصم رجلاً فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير فقال الرجل : إنما قضى له أنه ابن عمته فأنزل الله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ) . قوله (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَسولَ) . قال الكلبي : نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن فقال له : يا ثوبان ما غير لونك فقال : يا رسول الله ما لي من ضر ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين وإني وإن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك وإن لم أدخل الجنة فذاك أحرى أن لا أراك أبداً فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا إسماعيل بن أبي نصر أخبرنا إبراهيم النصراباذي قال : أخبرنا عبد الله بن عمرو بن علي الجوهري قال : حدثنا عبد الله بن محمود السعدي قال : حدثنا موسى بن يحيى قال : حدثنا عبيدة عن منصور بن صبح عن مسروق قال : قال أصحاب رسول الله ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا فأنزل الله تعالى (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَسولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِّن النَبيينَ وَالصِدّيقينَ) . أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : حدثنا شعيب قال : حدثنا مكي قال : أخبرنا أبو الأزهر قال : حدثنا روح عن سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلاً قال : يا نبي الله أراك في الدنيا فأما في الآخرة فإنك ترفع عنا بفضلك فلا نراك فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرني أبو نعيم الحافظ فيما أذن لي في روايته قال : أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمي قال : حدثنا أحمد بن عمرو الخلال قال : حدثنا عبد الله بن عمان العائذي قال : حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وأهلي وولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَسولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِّنَ النَبيينَ) . قوله (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ قيلَ لَهُم كُفّوا أَيدِيَكُم) . قال الكلبي : نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود وقدامة بن مظعون وسعد بن أبي وقاص كانوا يلقون من المشركين أذىً كثيراً ويقولون : يا رسول الله ائذن لنا في قتال هؤلاء فيقول لهم : كفوا أيديكم عنهم فإني لم أومر بقتالهم فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمرهم الله تعالى بقتال المشركين كرهه بعضهم وشق عليهم فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد العدل قال : أخبرنا أبو عمرو بن حيان قال : أخبرنا الحسن بن سفيان قال : حدثنا محمد بن علي قال : سمعت أبي يقول : أخبرنا الحسين بن واقد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد الرحمن وأصحابه أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا : يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا سرنا أذلة فقال : إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله تعالى (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ قيلَ لَهُم كُفّوا أَيدِيَكُم) . قوله تعالى (أَينَما تَكونوا يُدرِككُّمُ المَوتُ) قال ابن عباس في رواية أبي صالح : لما استشهد الله من المسلمين من استشهد يوم أحد قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد : لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (فَما لَكُم في المُنافِقينَ فِئَتَينِ) أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال : حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال : حدثنا عمرو بن مرزوق قال : حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد بن ثابت أن قوماً خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فرجعوا فاختلف فيهم المسلمون فقالت فرقة نقتلهم وقالت فرقة لا نقتلهم فنزلت هذه الآية . رواه البخاري عن بندار عن غندر . ورواه مسلم عن عبد الله بن معاذ عن أبيه كلاهما عن شعبة . أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثنا أسود بن عامر قال : حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أن قوماً من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وأصابوا وباء المدينة وحماها فأركسوها فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما لكم رجعتم فقالوا : أصابنا وباء المدينة فاجتويناها فقالوا : ما لكم في رسول الله أسوة فقال بعضهم : نافقوا وقال بعضهم : لم ينافقوا هم مسلمون فأنزل الله تعالى (فَما لَكُم في المُنافِقينَ فِئَتينِ وَاللهُ أَركَسَهُم بِما كَسَبوا) . وقال مجاهد في هذه الآية : هم قوم خرجوا من مكة حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون ثم ارتدوا بعد ذلك فاستأذنوا النبي عليه الصلاة والسلام إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فاختلف فيهم المؤمنون فقائل يقول : هم منافقون وقائل يقول : هم مؤمنون فبين الله تعالى نفاقهم وأنزل هذه الآية وأمر بقتالهم في قوله (فَإِن تَوَلوَّا فَخُذوهُم وَاِقتُلُوهُم حَيثُ وَجَد تُّموهُم) فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويمر الأسلمي وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف وهو الذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين فرفع عنهم القتل بقوله تعالى (إِلّا الَّذينَ يَصِلونَ إِلى قَومٍ) . قوله (ما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِناً إِلّا خَطأً) أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن حجاج قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن الحارث بن زيد كان شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم فجاء وهو يريد الإسلام فلقيه عياش بن أبي ربيعة والحرث يريد الإسلام وعياش لا يشعر فقتله فأنزل الله تعالى (وَما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِناً إِلّا خَطأً) لآية. وشرح الكلبي هذه القصة فقال: إن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أسلم وخاف أن يظهر إسلامه فخرج هارباً إلى المدينة فقدمها ثم أتى أطماً من آطامها فتحصن فيه فجزعت أمه جزعاً شديداً وقالت لابنيها أبي جهل والحرث بن هشام وهما لأمه لا يظلني سقف بيت ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى تأتوني به. فخرجا في طلبه وخرج معهم الحرث بن زيد بن أبي أنيسة حتى أتوا المدينة فأتوا عياشاً وهو في الأطم فقالا له: انزل فإن أمك لم يؤوها سقف بيت بعدك وقد حلفت لا تأكل طعاماً ولا شراباً حتى ترجع إليها ولك الله علينا أن لا نكرهك على شيء ولا نحول بينك وبين دينك فلما ذكرا له جزع أمه وأوثقا له نزل إليهم فأخرجوه من المدينة وأوثقوه بنسع وجلده كل واحد منهم مائة جلدة ثم قدموا به على أمهم فقالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به ثم تركوه موثقاً في الشمس وأعطاهم بعض الذي أرادوا فأتاه الحرث بن زيد. وقال عياش: والله لئن كان الذي كنت عليه هدى لقد تركت الهدى وإن كان ضلالة لقد كنت عليها فغضب عياش من مقاله وقال: والله لا ألقاك خالياً إلا قتلتك ثم إن عياشاً أسلم بعد ذلك وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم إن الحرث بن زيد أسلم وهاجر إلى المدينة وليس عياش يومئذ حاضراً ولم يشعر بإسلامه فبينا هو يسير بظهر قبا إذ لقي الحرث بن زيد فلما رآه حمل عليه فقتله فقال الناس: أي شيء صنعت إنه قد أسلم فرجع عياش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كان من أمري وأمر الحرث ما قد علمت: وإني لم أشعر بإسلامه حين قتلته فنزل عليه جبريل عليه السلام بقوله (وَما كانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِناً إِلّا خَطأً). قوله تعالى (وَمَن يَقتُل مُؤمِناً مُتَعَمِّداً) الآية. وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إن مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشام بن ضبابة قتيلاً في بني النجار وكان مسلماً فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فأرسل رسول الله عليه الصلاة والسلام معه رسولاً من بني فهد فقال له: ائت بني النجار فأقرئهم السلام وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه إلى أخيه فيقتص منه وإن لم تعلموا له قتيلاً أن تدفعوا إليه ديته فأبلغهم الفهدي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمعاً وطاعة لله ولرسوله والله ما نعلم له قاتلاً ولكن نؤدي إليه ديته فأعطوه مائة من الإبل ثم انصرفا راجعين نحو المدينة وبينهما وبين المدينة قريب فأتى الشيطان مقيساً فوسوس إليه فقال: أي شيء صنعت تقبل دية أخيك فيكون عليك سبة اقتل الذي معك فيكون نفس مكان نفس وفضل الدية ففعل مقيس ذلك فرمى الفهدي بصخرة فشدخ رأسه ثم ركب بعيراً منها وساق بقيتها راجعاً إلى مكة كافراً وجعل يقول في شعره: قَـتَـلتُ بِـهِ فِـهراً وَحَـمَـلتُ عِـقلَـهُ سُـراةَ بَـنـي الـنَجارَ أَربـابَ فارِعِ وَأَدرَكتُ ثَـأري وَاِضـطَجَـعتُ مُـوسَداً وَكُـنـتُ إِلــى الأَوثانِ أَولَ راجِعِ فنزلت هذه الآية (وَمَن يَقتُل مُؤمِناً مُتَعَمِداً) الآية. ثم أهدر النبي عليه الصلاة والسلام دمه يوم قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا ضَرَبتُم في سَبيلِ اللهِ فَتَبَيَّنوا) أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار قال: حدثنا محمد بن عباد قال: حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال: لحق المسلمون رجلاً في غنيمة له فقال: السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت هذه الآية (وَلا تَقولوا لِمَن أَلقى إِليكُم السَلامَ لَستَ مُؤمِناً تَبتَغونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُنيا) تلك الغنيمة رواه البخاري عن علي بن عبد الله. ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن سفيان. وأخبرنا إسماعيل قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الخليل قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر رجل من سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه غنم فسلم عليهم فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم فقاموا إليه فقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا ضَرَبتُم في سَبيلِ اللهِ فَتَبَيَّنوا). أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا وكيع عن سفيان بن جبير بن أبي عمرو عن سعيد بن جبير قال: خرج المقداد بن الأسود في سرية فمروا برجل في غنيمة له فأرادوا قتله فقال: لا إله إلا الله فقتله المقداد فقيل له أقتلته وقد قال لا إله إلا الله وهو آمن في أهله وماله فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فنزلت (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا ضَرَبتُم في سَبيلِ اللهِ فَتَبَيَّنوا). وقال الحسن: إن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام خرجوا يطوفون فلقوا المشركين فهزموهم فشد منهم رجل فتبعه رجل من المسلمين وأراد متاعه فلما غشيه بالسنان قال: إني مسلم إني مسلم فكذبه ثم أوجره السنان فقتله وأخذ متاعه وكان قليلاً فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلته بعد ما زعم أنه مسلم فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذاً قال: فهلا شققت عن قلبه لتنظر صادق هو أم كاذب قال: قلت أعلم ذلك يا رسول الله قال: ويك إنك لم تكن تعلم ذلك إنما بين لسانه قال: فما لبث القاتل أن مات فدفن فأصبح وقد وضع إلى جنب قبره قال: ثم عادوا فحفروا له وأمكنوه ودفنوه فأصبح وقد وضع إلى جنب قبره مرتين أو ثلاثاً فلما رأوا أن الأرض لا تقبله ألقوه في بعض تلك الشعاب قال: وأنزل الله تعالى هذه الآية. قال الحسن: إن الأرض تحبس من هو شر منه ولكن وعظ القوم أن لا يعودوا. أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد المزكي قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد بن بطة قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثني أبي قال: حدثنا محمد بن إسحاق ويزيد بن عبد الله بن قسيط عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلى إضم قبل مخرجه إلى مكة قال: فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فحيانا تحية الإسلام فنزعنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشر كان بينه وبينه في الجاهلية فقتله واستلب بعيراً له ووطاء ومتيعاً كان له. قال: فأنهينا شأننا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بخبره فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا ضَرَبتُم في سَبيلِ اللهِ فَتَبَيَّنوا) إلى آخر الآية. وقال السدي: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على سرية فلقي مرداس بن نهيك الضمري فقتله وكان من أهل فدك ولم يسلم من قومه غيره وكان يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويسلم عليهم قال أسامة: فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال: قتلت رجلاً يقول لا إله إلا الله فقلت: يا رسول الله إنما تعوذ من القتل فقال: كيف أنت إذا خاصمك يوم القيامة بلا إله إلا الله قال: فما زال يرددها علي أقتلت رجلاً يقول لا إله إلا الله حتى تمنيت لو أن إسلامي كان يومئذ فنزلت (إِذا ضَرَبتُم في سَبيلِ اللهِ وعن هذا قال الكلبي وقتادة: يدل على صحته الحديث الذي أخبرناه أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرو قال: حدثنا إبراهيم بن سفيان قال: حدثنا مسلم قال: حدثنا يعقوب الدورقي قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا حصين قال: حدثنا أبو ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث قال: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى حرقة بن جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله قال: فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي فقتلته فلما قدمنا بلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قلت: يا رسول الله إنما كنا متعوذاً قال: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. قوله تعالى (لا يَستَوي القاعِدونَ مِنَ المُؤمِنينَ) الآية. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سهل بن سعد عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت عليه (لا يَستَوي القاعِدونَ مِنَ المُؤمِنينَ وَالمُجاهِدونَ في سَبيلِ اللهِ) ولم يذكر أولي (أُولي الضَرَرِ) فقال ابن أم مكتوم: كيف وأنا الأعمى لا أبصر قال زيد: فتغشى النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه الوحي فاتكأ على فخذي فوالذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي حتى خشيت أن يرضها ثم سرى عنه فقال: اكتب (لا يَستَوي القاعِدونَ مِنَ المُؤمِنينَ غَيرُ أُولي الضَرَرِ) فكتبتها. رواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد عن صالح عن الزهري. ذ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر قال: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق سمعت البراء يقول: لما نزلت هذه الآية (لا يَستَوي القاعِدونَ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً فجاء بكتف وكتبها فشكا ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت (لا يَستَوي القاعِدونَ مِنَ المُؤمِنينَ غَيرُ أُولي الضَرَرِ) رواه البخاري عن أبي الوليد ورواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة: أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي قال: أخبرنا إسماعيل بن نجيد قال: أخبرنا محمد بن عبدوس قال: حدثنا علي بن الجعد قال: حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن البراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ادع لي زيداً وقل له يجيء بالكتف والدواة أو اللوح وقال: اكتب لي (لا يَستَوي القاعِدونَ مِنَ المُؤمِنينَ) أحسبه قال: والمجاهدون في سبيل الله فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله بعيني ضرر قال: فنزلت قبل أن يبرح (غَيرُ أُولي الضَرَرِ) رواه البخاري قوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم) الآية. نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا وأظهروا الإيمان وأسروا النفاق فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وقالوا لهم ما ذكر الله سبحانه. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث بن سواد عن عكرمة عن ابن عباس (إِنَّ الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم) وتلاها إلى آخرها قال: كانوا قوماً من المسلمين بمكة فخرجوا في قوم من المشركين في قتال فقتلوا معهم فنزلت هذه الآية. قوله تعالى (وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِراً إِلى اللهِ وَرَسولِهِ) قال ابن عباس في رواية عطاء: كان عبد الرحمن بن عوف يخبر أهل مكة بما ينزل فيهم من القرآن فكتب الآية التي نزلت (إِن الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم) فلما قرأها المسلمون قال حبيب بن ضمرة الليثي لبنيه وكان شيخاً كبيراً: احملوني فإني لست من المستضعفين وإني لا أهتدي إلى الطريق فحمله بنوه على سرير متوجهاً إلى المدينة فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت فصفق يمينه على شماله وقال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعتك يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات حميداً فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو وافى المدينة لكان أتم أجراً فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية. أخبرنا أبو حسان المزني قال: أخبرنا هرون بن محمد بن هرون قال: أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي قال: حدثنا أبو الوليد الأزرقي قال: حدثنا جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: كان بمكة ناس قد دخلهم الإسلام ولم يستطيعوا الهجرة فلما كان يوم بدر وخرج بهم كرهاً فقتلوا أنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم) إلى قوله تعالى (عَسى اللهُ أَن يَعفُوَ عَنهُم) إلى آخر الآية. قال: وكتب بذلك من كان بالمدينة إلى من بمكة ممن أسلم فقال رجل من بني بكر وكان مريضاً أخرجوني إلى الروحاء فخرجوا به فخرج يريد المدينة فلما بلغ الحصحاص مات فأنزل الله تعالى (وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِراً إِلى اللهِ وَرَسولِهِ). قوله تعالى (وَإِذا كُنتَ فيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَلاةَ) أخبرنا الأستاذ أبو عثمان الزعفراني المقري سنة خمس وعشرين قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد السدي سنة ثلاث وستين قال: أخبرنا أبو سعيد الفضل بن محمد الجزري بمكة في المسجد الحرام سنة أربع وثلثمائة قال: أخبرنا يحيى بن زياد اللخمي قال: حدثنا أبو قرة موسى بن طارق قال: ذكر سفيان عن منصور عن مجاهد قال: حدثنا أبو عياش الورقي قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر فقال المشركون: قد كانوا على حال لو كنا أصبنا منهم غرة قالوا: تأتي عليهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم قال: وهي العصر قال: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية بين الأولى والعصر (وَإِذا كُنتَ فيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَلاةَ) وهم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة وذكر صلاة الخوف. أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن النضر عن عكرمة عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقي المشركين بعسفان فلما صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه قال بعضهم لبعض: كان هذا فرصة لكم لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم فقال قائل منهم: فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه (وَإِذا كُنتَ فيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَلاةَ) إلى آخر الآية. وأعلم ما ائتمر به المشركون وذكر صلاة الخوف. قوله تعالى (إِنا أَنزَلنا إِليكَ الكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ الناسِ بِما أَراكَ اللهُ) الآية. إلى قوله تعالى (وَمَن يُشرِك بِاللهِ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً بَعيداً) أنزلت كلها في قصة واحدة. وذلك أن رجلاً من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر بن الحارث سرق درعاً من جار له يقال له قتادة بن النعمان وكانت الدرع في جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد بن السمين فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف لهم: والله ما أخذها وما له به من علم فقال أصحاب الدرع: بلى والله قد أدلج علينا فأخذها وطلبنا أثره حتى دخل داره فرأينا أثر الدقيق فلما أن حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه فقال: دفعها إلي طعمة بن أبيرق وشهد له أناس من اليهود على ذلك فقالت بنو ظفر وهم قوم طعمة: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلموه في ذلك فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبريء اليهودي فهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل وكان هواه معهم وأن يعاقب اليهودي حتى أنزل الله تعالى (إِنا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ) الآية كلها وهذا قول جماعة من المفسرين. قوله تعالى (لَّيسَ بِأَمانِّيكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ) أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل قال: حدثنا علي بن مسهر عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال: جلس أهل الكتاب أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الأديان كل صنف يقول لصاحبه: نحن خير منكم فنزلت هذه الآية. وقال مسروق وقتادة: احتج المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب: نحن أهدى منكم نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم وقال المسلمون: نحن أهدى منكم وأولى بالله نبينا خاتم الأنبياء وكتابنا يقضي على الكتب التي قبله فأنزل الله تعالى هذه الآية ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان بقوله تعالى (وَمَن يَعمَل مِن الصَالِحاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ) وبقوله تعالى (وَمَن أَحسَنُ ديناً مِّمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ) الآيتين. قوله تعالى (وَاِتَّبَعَ مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفاً واِتَّخَذَ اللهُ إِبراهيمَ خَليلاً) اختلفوا في سبب اتخاذ الله إبراهيم خليلاً فأخبرنا أبو سعيد النضروي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي قال: حدثنا ابن ربيعة عن أبي قبيل عن عبد الله عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلاً قال: لإطعامه الطعام يا محمد. وقال عبد الله بن عبد الرحمن البزي: دخل إبراهيم فجاءه ملك الموت في صورة شاب لا يعرفه قال له إبراهيم: بإذن من دخلت فقال: بإذن رب المنزل فعرفه إبراهيم عليه السلام فقال له ملك الموت: إن ربك اتخذ من عباده خليلاً قال إبراهيم: ومن ذلك قال: وما تصنع به قال: أكون خادماً له حتى أموت قال: فإنه أنت. وقال الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس: أصاب الناس سنة جهدوا فيها فحشروا إلى باب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يطلبون الطعام وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر فبعث غلمانه بالإبل إلى مصر يسأله الميرة فقال خليله: لو كان إبراهيم إنما يريد لنفسه احتملنا ذلك له وقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة فرجع رسل إبراهيم فمروا ببطحاء فقالوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بالميرة إنا نستحيي أن نمر بهم وإبلنا فارغة فملئوا تلك الغرائر رملاً ثم إنهم أتوا إبراهيم عليه السلام وسارة نائمة فأعلموه ذلك فاهتم إبراهيم عليه السلام بمكان الناس فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة فقامت إلى تلك الغرائر ففتقتها فإذا هو أجود حوار يكون فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس واستيقظ إبراهيم عليه السلام فوجد ريح الطعام فقال: يا سارة من أين هذا الطعام قالت: من عند خليلك المصري فقال: بل من عند خليلي الله لا من عند خليلي المصري فيومئذ اتخذ الله إبراهيم خليلاً. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يزيد الحوري قال: حدثنا إبراهيم بن شريك قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي المهلب الكنائي عن عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً وإنه لم يكن نبي إلا وله خليل ألا وإن خليلي أبو بكر). وأخبرني الساهر أبو إسماعيل بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا أبو محمد الحسين بن حماد قال: أخبرنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي قال: أخبرنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا سلمة قال: حدثني زيد بن واقد عن القاسم بن نجيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتخذ الله إبراهيم خليلاً وموسى نجياً واتخذني حبيباً ثم قال: وعزتي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي) قوله تعالى (وَيَستَفتونَكَ في النِساءِ) الآية. أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة قالت: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَيَستَفتونَكَ في النِساءِ قُلِ اللهُ يُفتيكُم فيهِنَّ وَما يُتلى عَلَيكُم في الكِتابِ) الآية. قالت: والذي يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال فيها (وَإِن خِفتُم أَلّا تُقسِطوا في اليَتامى) قالت عائشة رضي الله عنها: وقال الله تعالى في الآية الأخرى (وَتَرغَبونَ أَن تَنكِحوهُنَّ) رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من باقي النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن. رواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب. قوله تعالى (وإِن اِمرأَةٌ خافَت) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحرث قال: أخبرنا عبد الله بن حماد بن جعفر قال: حدثنا أبو عمر قال: حدثنا سهل قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلمان عن هشام عن عروة عن عائشة في قول الله تعالى (وَإِن اِمرَأَةٌ خافَت مِن بَعلِها نُشوزاً) إلى آخر الآية. نزلت في المرأة تكون عند الرجل فلا يستكثر منها ويريد فراقها ولعلها أن تكون لها صحبة ويكون لها ولد فيكره فراقها وتقول له: لا تطلقني وأمسكني وأنت في حل من شأني فأنزلت هذه الآية. رواه البخاري عن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك. ورواه مسلم عن أبي كريب وأبي أسامة كلاهما عن هشام. أخبرنا أبو بكر الحيري قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب أن بنت محمد بن سلمة كانت عند رافع بن صبيح فكره منها أمراً إما كبراً وإما غيره فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني وأمسكني واقسم قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا كونوا قَوّامِينَ بِالقِسطِ) الآية. روى أسباط عن السدي قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه غني وفقير وكان ضلعه مع الفقير رأى أن الفقير لا يظلم الغني فأبى الله تعالى إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير فقال (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ بِالقِسطِ) حتى بلغ (إِن يَكُن غَنيّاً أَو فَقيراً فاللهُ أَولى بِهِما). قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا آَمِنوا بِاللهِ وَرَسولِهِ) الآية. قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وجماعة من مؤمني أهل الكتاب قالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل فأنزل الله تعالى هذه الآية. قوله (لا يُحِبُّ اللهُ الجَهرَ بِالسُوءِ مِنَ القَولِ) الآية. قال مجاهد: إن ضيفاً تضيف قوماً فأساءوا قراه فاشتكاهم فنزلت هذه الآية رخصة في أن يشكو. قوله تعالى (يَسأَلُكَ أَهلُ الكِتابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيهِم كِتاباً) الآية. نزلت في اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبياً فأتنا بكتاب جملة من السماء كما أتى به موسى فأنزل الله تعالى هذه الآية. قوله تعالى (لَكِنَ اللهُ يَشهَدُ بِما أَنزَلَ إِلَيكَ) الآية. قال الكلبي: إن رؤساء أهل مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سألنا عنك اليهود فزعموا أنهم لا يعرفونك فأتنا بمن يشهد لك أن الله بعثك إلينا رسولاً فنزلت هذه الآية (لَكِنَ اللهَ يَشهَدُ). قوله تعالى (لا تَغُلوا في دينِكُم) الآية. نزلت في طوائف من النصارى حين قالوا عيسى ابن الله فأنزل الله تعالى (لا تَغُلوا في دينِكُم وَلا تَقولوا عَلى اللهِ إِلا الحَقَّ) الآية. قوله تعالى (لَّن يَستَنكِفَ المَسيحُ) الآية. قال الكلبي: إن وفد نجران قالوا: يا محمد تعيب صاحبنا قال: ومن صاحبكم قالوا: عيسى قال: وأي شيء أقول فيه قالوا: تقول إنه عبد الله ورسوله فقال لهم: إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبداً لله قالوا: بلى فنزلت (لَّن يَستَنكِفَ المَسيحُ أَن يَكونَ عَبدًا لِّلَّهِ) الآية. قوله (يَستَفتونَكَ قُلِ اللهُ يُفتيكُم في الكَلالَةِ) الآية. أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد قال: حدثنا زاهر بن أحمد قال: حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب قال: حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا ابن أبي عدي عن هشام بن عبد الله عن ابن الزبير عن جابر قال: اشتكيت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي سبع أخوات فنفخ في وجهي فأفقت فقلت: يا رسول الله أوصي لأخواتي بالثلثين قال: اجلس فقلت الشطر قال: اجلس ثم خرج فتركني قال: ثم دخل علي وقال: يا جابر إني لا أراك تموت في وجعك هذا إن الله قد أنزل فبين الذي ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر . |
سورة المائدة قوله تعالى (لا تُحِلّوا شَعائِرَ اللهِ) قال ابن عباس : نزلت في الخطيم واسمه شريح بن ضبيع الكندي أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمامة إلى المدينة فخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي عليه الصلاة والسلام فقال : إلام تدعو الناس قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فقال : حسن إلا أن لي أمراء لا نقطع أمراً دونهم ولعلي أسلم وآتي بهم وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان ثم خرج من عنده فلما خرج قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبى غادر وما الرجل مسلم فمر بسرح المدينة فاستاقه فطلبوه فعجزوا عنه فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام القضية سمع تلبية حجاج اليمامة فقال لأصحابه : هذا الخطيم وأصحابه وكان قد قلد هدياً من سرح المدينة وأهدى إلى الكعبة فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَذينَ آَمَنوا لا تُحِلّوا شَعائِرَ اللهِ) يريد ما أشعر لله وإن كانوا على غير دين الإسلام . وقال زيد بن أسلم : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم فأنزل الله تعالى (لا تُحِلّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَهرَ الحَرامَ وَلا الهَديَ وَلا القَلائِدَ وَلا آَمّينَ البَيتَ الحَرامَ) أي ولا تعتدوا على هؤلاء العمار إن صدكم أصحابهم . قوله تعالى (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم) نزلت هذه الآية يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر والنبي صلى الله عليه وسلم بعرفات على ناقته العضباء . أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال : أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثنا جعفر بن عون قال : أخبرني أبو عميس عن قيس بن حاتم عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً فقال : أي آية هي قال (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي) فقال عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية يوم عرفة في يوم عرفة في يوم جمعة . رواه البخاري عن الحسن بن صباح . ورواه مسلم عن عبد بن حميد . أخبرنا الحاكم أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال : أخبرنا ناقد بن أحمد قال : أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب قال : حدثنا يحيى بن حكيم قال : حدثنا أبو قتيبة قال : حدثنا حماد عن عباد بن أبي عمار قال : قرأ ابن عباس هذه الآية ومعه يهودي (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الِإسلامَ ديناً) فقال اليهودي : لو نزلت هذه علينا في يوم لاتخذناه عيداً فقال ابن عباس : فإنها نزلت في عيدين اتفقا في يوم واحد يوم جمعة وافق يوم عرفة . قوله (يَسأَلونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُم) أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : حدثنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثني ابن أبي زائدة عن موسى بن عبيدة عن أبان بن صالح عن القعقاع بن الحكيم عن سلمى أم رافع عن أبي رافع قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فقال الناس : يا رسول الله ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فأنزل الله تعالى هذه الآية وهي (يَسأَلونَكَ ماذا أُحلَِّ لَهُم قُل أُحِلَّ لَكُمُ الطَيِّباتُ وَما عَلَمتُم مِّنَ الجَوارِحِ مُكَلِّبينَ) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكرة بن بالويه عن محمد بن سادان عن يعلى بن منصور عن ابن زائدة . وذكر المفسرون شرح هذه القصة قالوا : قال أبو رافع جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذن عليه فأذن له فلم يدخل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قد أذنا لك يا رسول الله فقال : أجل يا رسول الله ولكنا لا ندخل بيتاً فيه صورة ولا كلب فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو قال أبو رافع : فأمرني أن لا أدع كلباً بالمدينة إلا قتلته حتى بلغت العوالي فإذا امرأة عندها كلب يحرسها فرحمتها فتركته فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني بقتله فرجعت إلى الكلب فقتلته فلما أمر رسول الله بقتل الكلاب جاء ناس فقالوا : يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي تقتلها فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية فلما نزلت أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها وأمر بقتل الكلب الكلب والعقور وما يضر ويؤذي ودفع القتل عما سواهما وما لا ضرر فيه . وقال سعيد بن جبير : نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير فقالا : يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فإن كلاب آل درع وآل حورية تأخذ البقر والحمر والظباء والضب فمنه ما يدرك ذكاته ومنه ما يقتل فلا يدرك ذكاته وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها فنزلت (يَسأَلونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُم قُل أُحِلَّ لَكُم الطَيِّباتُ) يعني الذبائح (وَما عَلَّمتُم مِّنَ الجَوارِحِ) يعني وصيد ما علمتم من الجوارح وهي الكواسب من الكلاب وسباع الطير . قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا اُذكُروا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذ هَمَّ قَومٌ أَن يَبسُطوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم) أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال : أخبرنا أبو علي الفقيه قال : أخبرنا أبو لبابة محمد بن المهدي الميهني قال : حدثنا عمار بن الحسن قال : حدثنا سلمة بن الفضل قال : حدثنا محمد بن إسحاق عن عمر بن عبيد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلاً من محارب يقال له غورث بن الحرث قال لقومه من غطفان ومحارب : ألا أقتل لكم محمداً قالوا : نعم وكيف تقتله قال : أفتك به قال : فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال : يا محمد أنظر إلى سيفك هذا قال : نعم فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم به فكبته الله عز وجل ثم قال : يا محمد ما تخافني قال : لا قال : ألا تخافني وفي يدي السيف قال : يمنعني الله منك ثم أغمد السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (اُذكُروا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذ هَمَّ قَومٌ أَن يَبسُطوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم) . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الثعلبي قال : أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه على شجرة فجاء عرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل عليه فقال : من يمنعك مني قال الله قال ذلك الأعرابي مرتين أو ثلاثاً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله فشام الأعرابي السيف فدعا النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه . وقال مجاهد والكلبي وعكرمة : قتل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من بني سلم وبين النبي عليه الصلاة والسلام وبين قومهما موادعة فجاء قومهما يطلبون الدية فأتى النبي عليه الصلاة والسلام ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين فدخلوا على كعب بن الأشرف وبني النضير يستعينهم في عقلهما فقالوا : يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا فجلس هو وأصحابه فجاء بعضهم ببعض وقالوا : إنكم لم تجدوا محمداً أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه فقال عمر بن جحاش بن كعب أنا فجاء إلى رحا عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله تعالى يده وجاء جبريل عليه السلام وأخبره بذلك فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (إِنَّما جَزَاءُ الَّذينَ يُحارِبونَ اللهَ وَرَسولَهُ) أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي قال : حدثنا أبو عمرو بن نجيد قال : أخبرنا مسلم قال : حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن رهطاً من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا المدينة فأمر لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام بذود أن يخرجوا فيها فليشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وثمل أعينهم فتركوا في الحرة حتى ماتوا على حالهم . قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إِنَّما جَزَاءُ الَّذينَ يُحارِبونَ اللهَ وَرَسولَهُ وَيَسعَونَ في الأَرضِ فَساداً) إلى آخر الآية . رواه مسلم عن عبيد الأعلى عن سعيد إلى قول قتادة . قوله تعالى (وَالسارِقُ وَالسارِقَةُ فَاِقطَعوا أَيدِيَهُما) قال الكلبي : نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدرع وقد مضت قصته . قوله تعالى (يا أَيُّها الرَسولُ لا يُحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ في الكُفرِ) حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري إملاء قال : أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي قال : حدثنا محمد بن حماد الأبيوردي قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال : مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيهودي محمماً مجلوداً فدعاهم فقال : أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا : نعم قال : فدعا رجل من غلمانهم فقال : أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قال : لا ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد فقلنا : تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الرَسولُ لا يَحزُنكَ الَّذينَ يُسارِعونَ في الكُفرِ) إلى قوله (إِن أُوتِيتُم هَذا فَخُذوهُ) يقولون ائتوا محمداً فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوا به وإن أفتاكم بالرجم (فَاِحذَروا) إلى قوله تعالى (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُم ُالكَافِرونَ) قال في اليهود إلى قوله (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهَ فَأَولَئِكَ هُمُ الظَالِمونَ) قال في اليهود إلى قوله (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ) قال في الكفار كلها رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن أبي معاوية . أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق قال : أخبرنا أبو الهيثم أحمد بن محمد بن غوث الكندي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهودياً ويهودية ثم قال (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرونَ) (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظالِمونَ) (وَمَن لَّم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ) قال : نزلت كلها في الكفار رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة . قوله تعالى (إِنّا أَنزَلنا التَوراةَ فيها هُدىً وَنورٌ) أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن الزهري : حدثني رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : زنى رجل من اليهود وامرأة قال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي مبعوث للتخفيف فإذا أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججناها عند الله وقلنا : فتيا نبي من أنبيائك فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد مع أصحابه فقالوا : يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا فلم يكلمهما حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال : أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا : يحمم ويجبه ويجلد والتجبيه : أن يحمل الزانيان على الحمار ويقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال : وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سكت ألح به في النشدة فقال : اللهم إذ أنشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم فقال النبي عليه الصلاة والسلام : فما أول ما أرخصتم أمر الله عز وجل قال : زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثم زنى رجل من سراة الناس فأراد رجمه فاحال قومه دونه فقالوا : لا يرجم صاحبنا حتى يجيء بصاحبكم فيرجمه فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما . قال الزهري فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إِنّا أَنزَلنا التَوراةَ فيها هُدىً وَنورٌ يَحكُمُ بِها النَبِيّونَ الَّذينَ أَسلَموا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم . قال معمر : أخبرني الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر برجمهما فلما رجما رأيته يجنأ بيده عنها ليقيها الحجارة . قوله عز وجل (وَأَنِ اِحكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللهُ) قال ابن عباس : إن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس قال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد عليه الصلاة والسلام لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا : يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولن يخالفونا وإن بيننا وبين قوم خصومة ونحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا اليَهودَ وَالنَصارى أَولِياءَ) قال عطية العوفي : جاء عبادة بن الصامت فقال : يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم وإني أبوء إلى الله ورسوله من ولاية اليهود وآوي إلى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية اليهود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا الحباب ما تجلب به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه فقال : قد قبلت فأنزل الله تعالى فيهما (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا اليَهودَ وَالنَصارى أَولِياءَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ) إلى قوله تعالى (فَتَرى الَّذينَ في قُلوبِهِم مَّرَضٌ) يعني عبد الله بن أبي (يُسارِعونَ فيهِم) وفي ولايتهم (يَقولونَ نَخشى أَن تُصيبنا دائِرةٌ) . قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آَمَنوا) قال جابر بن عبد الله : جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن قوماً من قريظة والنضير قد هاجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل وشكى ما يلقى من اليهود فنزلت هذه الآية فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء . ونحو هذا قال الكلبي وزاد أن آخر الآية في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه لأنه أعطى خاتمه سائلاً وهو راكع في الصلاة . أخبرنا أبو بكر التميمي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال : حدثنا الحسين بن محمد عن أبي هريرة قال : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال : حدثنا محمد الأسود عن محمد بن مروان عن محمد السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال : أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا فقالوا : يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آَمَنوا) . ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فنظر سائلاً فقال : عل أعطاك أحد شيئاً قال : نعم خاتم من ذهب قال : من أعطاكه قال : ذلك القائم وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : على أي حال أعطاك قال : أعطاني وهو راكع فكبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ (وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسولَهُ وَالَّذينَ آَمَنوا فَإِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغالِبونَ) . قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا الَّذينَ اِتَّخَذوا دينَكُم هُزُواً وَلَعِباً) قال ابن عباس : كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (وَإِذا نادَيتُم إِلى الصَلاةِ اِتَّخَذوها هُزُواً وَلَعِباً) قال الكلبي : كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة فقام المسلمون إليها قالت اليهود : قوموا صلوا اركعوا على طريق الاستهزاء والضحك فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال السدي : نزلت في رجل من نصارى المدينة كان إذا سمع المؤذن يقول : أشهد أن محمداً رسول الله قال : حرق الكاذب فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام فطارت منها شرارة في البيت فاحترق هو وأهله . وقال آخرون : إن الكفار لما سمعوا الأذان حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على ذلك وقالوا : يا محمد لقد أبدعت شيئاً لم نسمع به فيما مضى من الأمم فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياء من قبلك ولو كان في هذا خير كان أولى الناس به الأنبياء والرسل من قبلك فمن أين لك صياح كصياح البعير فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر فأنزل الله تعالى هذه الآية وأنزل (وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِّمَّن دَعا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) . قوله تعالى (قُل هَل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثوبَةً عِندَ اللهِ) قال ابن عباس : أتى نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال : أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله (وَنَحنُ لَهُ مُسلِمون) فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا : والله ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم فأنزل الله تعالى (قُل هَل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ مَثوبَةً) . قوله تعالى (يا أُيُّها الرَسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِليكَ مِن رَّبِّكَ) قال الحسن : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما بعثني الله تعالى برسالتي ضقت بها ذرعاً وعرفت أن من الناس من يكذبني وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهيب قريشاً واليهود والنصارى فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار قال : أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال : أخبرنا محمد بن حمدون بن خالد قال : حدثنا محمد بن إبراهيم الخلوتي قال : حدثنا الحسن بن حماد سجادة قال : حدثنا علي بن عابس عن الأعمش وأبي حجاب عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية (يا أَيُّها الرَسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه . قوله تعالى (وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ الناسِ) قالت عائشة رضي الله عنها : سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلت : يا رسول الله ما شأنك قال : ألا رجل صالح يحرسنا الليلة فقالت : بينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح فقال : من هذا قال : سعد وحذيفة جئنا نحرسك فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه ونزلت هذه الآية فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة آدم وقال : انصرفوا يا أيها الناس فَقَد عَصَمَني الله . أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال : حدثنا إسماعيل بن نجيد قال : حدثنا محمد بن الحسن بن الخليل بن محمد بن العلاء قال : حدثنا الجماني قال : حدثنا النضر عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس وكان يرسل معه أبو طالب رجالاً من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية (يا أَيُّها الرَسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ) إلى قوله (وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ الناسِ) قال : فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه فقال : يا عم إن الله تعالى قد عصمني من الجن والإنس . قوله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناسِ عَداوَةً لِّلَّذينَ آَمَنوا اليَهودَ) إلى قوله (وَالَّذينَ كَفَروا وَكَذَبوا) نزلت في النجاشي وأصحابه . قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين فبعث جعفر بن أبي طالب وابن مسعود في رهط من أصحابه إلى النجاشي وقال إنه ملك صالح لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجاً فلما وردوا عليه أكرمهم وقال لهم : تعرفون شيئاً مما أنزل عليكم قالوا : نعم قال : اقرءوا فقرءوا وحوله القسيسين والرهبان فكلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق قال الله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسّيسينَ وَرُهباناً وَأَنَّهُم لا يَستَكبِرونَ وَإِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلى الرَسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَمعِ) . أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدون بن الفضل قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن قال : حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو صالح كاتب الليث قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس بن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن عروة ابن الزبير وغيرهما قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري بكتاب معه إلى النجاشي فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه فأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم عليها السلام فآمنوا بالقرآن وأفاضت أعينهم من الدمع وهم الذين أنزل فيهم (وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذينَ آَمَنوا الَّذينَ قالُوا إِنّا نَصارى) إلى قوله (فَاِكتُبنا مَعَ الشاهِدينَ) . وقال آخرون : قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو وأصحابه ومعهم سبعون رجلاً بعثهم النجاشي وفداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثياب الصوف اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وهم بحيرا الراهب وإبرهليه وإدريس وأشرف وتمام وقثم وذر وأيمن فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس إلى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات . أخبرنا أحمد بن محمد العدل قال : حدثنا زاهد بن أحمد قال : حدثنا أبو القاسم قال : حدثنا البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد قال : حدثنا شريك بن سالم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسّيسينَ وَرُهباناً) قال : بعث النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيار أصحابه ثلاثين رجلاً فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس فبكوا فنزلت هذه الآية . قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تُحَرِّموا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُم) أخبرنا أبو عثمان بن أبي عمرو المؤذن قال : حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان قال : حدثنا الحسن بن سفيان قال : أخبرنا إسحاق بن منصور قال : أخبرنا أبو عاصم عن عثمان بن سعد قال : أخبرني عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إني إذا أكلت هذا اللحم انتشرت إلى النساء وإني حرمت علي اللحم فنزلت (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تُحَرِّموا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُم) ونزلت (وَكُلوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) . قال المفسرون : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فذكر الناس ووصف القيامة ولم يزدهم على التخويف فرق الناس وبكوا فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي وهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل بن مضر واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ويترهبوا ويجبو المذاكير فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم فقال : ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا فقالوا : بلى يا رسول الله وما أردنا إلا الخير فقال : إني لم أومر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقاً فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم فمن رغب عن سنتي فليس مني ثم خرج إلى الناس وخطبهم فقال : ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ولا رهباناً فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتها الجهاد واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع فأنزل الله تعالى هذه الآية فقالوا : يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها وكانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِنَّما الخَمرُ) أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر المطوعي قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال : حدثنا أحمد بن علي الموصلي قال : حدثنا أبو خيثمة قال : حدثنا حسن أبو موسى قال : حدثنا الزبير قال : حدثنا سماك بن حرب قال : حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أتيت على نفر من المهاجرين فقالوا : تعال نطعمك ونسقيك خمراً وذلك قبل أن يحرم الخمر فأتيتهم في حش والحش : البستان وإذا رأس جزور مشوياً عندهم ودن من خمر فأكلت وشربت معهم وذكرت الأنصار والمهاجرين فقلت : المهاجرون خير من الأنصار فأخذ رجل لحى الرأس فجدع أنفي بذلك فأتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله في شأن الخمر (إِنَّما الخَمرُ وَالمَيسرُ) رواه مسلم عن أبي خيثمة . أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثنا خالد بن الوليد قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب قال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في البقرة (يَسأَلونَكَ عَنِ الخَمرِ وَالمَيسِرِ) فدعى عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا من الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في النساء (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة ينادي لا يقربن الصلاة سكران فدعى عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآية (إِنَّما الخَمرُ وَالمَيسِرُ) فدعى عمر فقرئت عليه فلما بلغ (فَهَل أَنتُم مُّنتَهونَ) قال عمر : انتهينا وكانت تحدث أشياء لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأسباب شرب الخمر قبل تحريمها منها قصة علي بن أبي طالب مع حمزة رضي الله عنهما وهي ما أخبر محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي خالد قال : أخبرنا يوسف بن موسى المروزي قال : أخبرنا عمر بن صالح قال : أخبرنا عنبسة قال : أخبرنا يوسف عن ابن شهاب قال : أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب قال : كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفاً من الخمس ولما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلاً صواغاً من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي فبينما أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادها فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر قلت : من فعل هذا فقالوا : فعله حمزة وهو في البيت في شرب من الأنصار أَلا يا حَـمـزُ لِّـلـشَـرفِ الـنَواءِ وَهُـنَّ مُـعَـقَـلاتٌ بِـالفِـنـاءِ زَجَ السِكـينُ فـي الـلَّـباتِ مِـنـها فَـضَـرَجَـهُنَّ حَـمزَةُ بِـالدِمـاءِ فـأَطـعِـم مِـن شَـرائِحِـها كَـباباً مُلَـهـوَجَةً عَـلـى رَهجِ الـصِلاءِ فَـأَنـتَ أَبـا عَـمـارةٍ الـمُـرَجى لِـكَـشـفِ الـضُـرِ عَـنا وَالبَلاءِ فوثب إلى السيف فأجب أسنمتها وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادها قال علي عليه السلام : فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لقيت فقال : مالك فقلت : يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي وجب أسنمتهما وبقر خواصرهما هو ذا في بيت معه شرب شرب قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ثم انطلق يمشي فاتبعت أثره أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي هو فيه فاستأذن فأذن له فإذا هم شرب فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال : وهل أنتم إلا عبيد أبي فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا رواه البخاري عن أحمد بن صالح وكانت هذه القصة من الأسباب الموجبة لنزول تحريم الخمر . قوله تعالى (لَيس عَلى الَّذينَ آَمَنوا وَعَمِلوا الصَالِحاتِ جُناحٌ فيما طَعِموا) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن يعمر الحيري قال : أخبرنا أبو يعلى قال : أخبرنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي عن حماد عن ثابت عن أنس قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلا الفضيخ والبسر والتمر وإذا مناد ينادي : إن الخمر قد حرمت قال : فأريقت في سكك المدينة فقال أبو طلحة اخرج فأرقها قال : فأرقتها فقال بعضهم قتل فلان وقتل فلان وهي في بطونهم قال : فأنزل الله تعالى (لَيسَ عَلى الَّذينَ آَمَنوا وَعَمِلوا الصَالِحاتِ جُناحٌ فيما طَعِموا) رواه مسلم عن أبي الربيع ورواه البخاري عن أبي نعمان كلاهما عن حماد . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي قال : حدثنا أبو عمر بن مطر قال : حدثنا أبو خليفة قال : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال : مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر فلما حرمت قال أناس : كيف لأصحابنا ماتوا وهم يشربونها فنزلت هذه الآية (لَيسَ عَلى الَّذينَ آَمَنوا وَعَمِلوا الصَالِحاتِ جُناحٌ فيما طَعِموا) . قوله تعالى (قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمونَ) أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله قال : أخبرنا محمد بن القاسم المؤدب قال : حدثنا إدريس بن علي الرازي قال : حدثنا يحيى بن الضريس قال : حدثنا سفيان عن محمد بن سراقة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل حرم عليكم عبادة الأوثان وشرب الخمر والطعن في الأنساب ألا إن الخمر لعن شاربها وعاصرها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها فقام إليه أعرابي فقال : يا رسول الله إني كنت رجلاً كانت هذه تجارتي فاقتنيت من بيع الخمر مالاً فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة إن الله لا يقبل إلا الطيب فأنزل الله تعالى تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (قُل لّا يَستَوي الخَبيثُ وَالطَيِّبُ وَلَو أَعجَبَكَ كَثرَةُ الخَبيثِ) . قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَسأَلُوا عَن أَشياءَ إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم) أخبرنا عمر بن أبي عمر المزكي قال : حدثنا محمد بن مكي قال : حدثنا محمد يوسف قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال : حدثنا الفضل بن سهل قال : حدثنا أبو النضر قال : حدثنا أبو خيثمة قال : حدثنا أبو جويرية عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاء فيقول الرجل الذي تضل ناقته : أين ناقتي فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَسأَلُوا عَن أَشياءَ إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم) . أخبرنا أبو سعد المنصوري قال : أخبرنا أبو بكر القطيعي قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثنا منصور بن أبي زيد أن الأزدي قال : حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي البحتري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية (وَللهِ عَلى الناسِ حَجُ البَيتِ) قالوا : يا رسول الله أفي كل عام فسكت ثم قالوا : أفي كل عام فسكت ثم قال في الرابعة : لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَسأَلُوا عَن أَشياءَ إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم) . قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذا اِهتَدَيتُم) قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل هجر وعليهم منذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام فإن أبوا فليؤدوا الجزية فلما أتاه الكتاب عرضه على من عنده من العرب واليهود والنصارى والصابئين والمجوس فأقروا بالجزية وكرهوا الإسلام وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وأما أهل الكتاب والمجوس فأقبل منهم الجزية فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت العرب وأما أهل الكتاب والمجوس فأعطوا الجزية فقال منافقو العرب : عجباً من محمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ولا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلا نراه إلا قبل من مشركي أهل هجر ما رد على مشركي العرب فأنزل الله تعالى (عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذا اِهتَدَيتُم) يعني من ضل من أهل الكتاب . قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا شَهادَةُ بَينِكُم) أخبرنا أبو سعد ابن أبي بكر الغازي قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا أبو يعلى قال : حدثنا الحرث بن شريح قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : حدثنا محمد بن القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال : كان تميم الداري وعدي بن زيد يختلفان إلى مكة فصحبهما رجل من قريش من بني سهم فمات بأرض ليس بها أحد من المسلمين فأوصى إليهما بتركته فلما قدما دفعاها إلى أهله وكتما جاماً كان معه من فضة كان مخوصاً بالذهب فقالا : لم نره فأتي بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما بالله ما كتما ولا اطلعا وخلى سبيلهما ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة فقالوا : ابتعناه من تميم الداري وعدي بن زيد فقام أولياء السهمي فأخذوا الجام وحلف رجلان منهم بالله إن هذا الجام جام صاحبنا وشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا فنزلت هاتان الآيتان (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا شَهادَةُ بَينِكُم إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ) إلى آخرها . |
سورة الأنعام قوله تعالى (وَلَو نَزَّلنا عَلَيكَ كِتاباً في قِرطاسٍ) قال الكلبي إن مشركي مكة قالوا : يا محمد والله لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله وأنك رسوله فنزلت هذه الآية . قوله تعالى (وَلَهُ ما سَكَنَ في اللَّيلِ وَالنَهارِ) قال الكلبي عن ابن عباس : إن كفار مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد إنا قد علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعو إليه الحاجة فنحن نجعل لك نصيباً في أموالنا حتى تكون أغنانا رجلاً وترجع عما أنت عليه فنزلت هذه الآية . قوله تعالى (قُل أَيُّ شَيءٍ أَكبَرُ شَهادةً) قال الكلبي : إن رؤساء مكة قالوا : يا محمد ما نرى أحداً يصدقك بما تقول من أمر الرسالة ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (وَمِنهُم مَن يَستَمِعُ إِلَيكَ) قال ابن عباس في رواية أبي صالح : إن أبا سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابني ربيعة وأمية وأبياً ابني خلف استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر : يا أبا قتيلة ما يقول محمد قال : والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول إلا أني أرى يحرك شفتيه يتكلم بشيء وما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأول وكان يحدث قريشاً فيستملحون حديثه فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (وَهُم يَنهونَ عَنهُ وَينأَونَ عَنهُ) أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم قال : حدثنا علي بن حمشاذ قال : حدثنا محمد بن منده الأصفهاني قال : حدثنا بكر بن بكار قال : حدثنا حمزة بن حبيب عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (وَهُم يَنهونَ عَنهُ وَيَنأَونَ عَنهُ) قال : نزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتباعد عما جاء به وهذا قول عمرو بن دينار والقاسم بن مخيمر . قال مقاتل : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يردون سؤال النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو طالب : وَاللهِ لا وَصَلـوا إِلَـيكَ بِـجَـمـعِـهِم حَـتّـى أُوَسـدَ فـي الـتُرابِ دَفينا وَعَـرَضـتَ دينـاً لا مَـحـــالَةَ أَنَّـهُ مِـن خَــيرِ أَديانِ الــبَـرِيَّةِ دينا لَـولا الـمَـلامَةُ أَو حِـذاري سُــبَّةً لَـوَجَـدتَـني سَـمحاً بِـذاكَ مُبينا فأنزل الله تعالى (وَهُم يَنهونَ عَنهُ) . وقال محمد بن الحنفية والسدي والضحاك : نزلت في كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ويتباعدون بأنفسهم عنه وهو قول ابن عباس في رواية الوالبي . قوله تعالى (إِنَّهُ لَيُحزُنُكَ الَّذي يَقولونَ) قال السدي : التقى الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس هنا من يسمع كلامك غيري فقال أبو جهل : والله إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال أبو ميسرة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا : يا محمد إنا والله ما نكذبك وإنك عندنا لصادق ولكن نكذب ما جئت به فنزلت (فإِنَّهُم لا يُكَذِّبونَكَ وَلَكِنَّ الظالِمينَ بِآياتِ اللهِ يَجحَدونَ) وقال مقاتل : نزلت في الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب كان يكذب النبي صلى الله عليه وسلم في العلانية وإذا خلا مع أهل قوله تعالى (وَلا تَطرُدِ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) . أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا زاهر بن أحمد قال : أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب قال : حدثنا يحيى بن حكيم قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا قيس بن الربيع عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد قال : نزلت هذه الآية فينا ستة في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لا نرضى أن نكون أتباعاً لهؤلاء فاطردهم فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل فأنزل الله تعالى عليه (وَلا تَطرُدِ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) رواه مسلم عن زهير بن حرب عن عبد الرحمن عن سفيان عن المقدام . أخبرنا أبو عبد الرحمن قال : أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني قال : أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا أبو صالح الحسين بن الفرج قال : حدثنا محمد بن مقاتل المروزي قال : حدثنا حكيم بن زيد قال : حدثنا السدي عن أبي سعيد عن أبي الكنود عن خباب بن الأرت قال : فينا نزلت كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم بالغداة والعشي فعلمنا القرآن والخير وكان يخوفنا بالجنة والنار وما ينفعنا والموت والبعث فجاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فقالا : إنا من أشراف قومنا وإنا نكره أن يرونا معهم فاطردهم إذا جالسناك قال : نعم قالوا : لا نرضى حتى تكتب بيننا كتاباً فأتى بأديم ودواة فنزلت هذه الآيات (وَلا تَطرُدِ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) إلى قوله تعالى (فَتَنّا بَعضَهُم بِبَعضٍ) . أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو محمد بن حيان قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا أسباط بن محمد عن أشعث عن كركوس عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب بن الأرت وصهيب وبلال وعمار قالوا : يا محمد رضيت بهؤلاء أتريد أن نكون تبعاً لهؤلاء فأنزل الله تعالى (وَلا تَطرُدِ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم) وبهذا الإسناد قال : حدثنا عبد الله عن جعفر عن الربيع قال : كان رجال يسبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم بلال وصهيب وسلمان فيجيء أشراف قومه وسادتهم وقد أخذوا هؤلاء المجلس فيجلسون إليه فقالوا : صهيب رومي وسلمان فارسي وبلال حبشي يجلسون عنده ونحن نجيء ونجلس ناحية وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : إنا سادة قومك وأشرافهم فلو أدنيتنا منك إذا جئنا فهم أن يفعل فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال عكرمة : جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحرث بن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب فقالوا : لو أن ابن أخيك محمداً يطرد عنه موالينا وعبيدنا وعسفاءنا كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له فأتى أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه فقال عمر بن الخطاب : لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون وإلام يصيرون من قولهم فأنزل الله تعالى هذه الآية فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب يعتذر من مقالته . قوله تعالى (وَإِذا جاءَكَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِآَياتِنا فَقُل سَلامٌ عَلَيكُم) قال عكرمة نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم فكان إذا رآهم النبي صلى الله عليه وسلم بدأهم بالسلام وقال : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام . وقال ماهان الحنفي : أتى قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوباً عظاماً فما إخاله رد عليهم بشيء فلما ذهبوا وتولوا نزلت هذه الآية (وَإِذا جاءَكَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِآَياتِنا) . قوله تعالى (قُل إِنيّ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَّبّي) قال الكلبي : نزلت في النضر بن الحرث ورؤساء قريش كانوا يقولون : يا محمد ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به استهزاء منهم فنزلت هذه الآية . قوله تعالى (وَما قَدَروا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ إِذ قالُوا ما أَنزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِّن شَيءٍ) قال ابن عباس في رواية الوالبي : قالت اليهود : يا محمد أنزل الله عليك كتاباً قال : نعم قالوا : والله ما أنزل الله من السماء كتاباً فأنزل الله تعالى (قُل مَن أَنزَلَ الكِتابَ الَّذي جاءَ بِهِ موسى نُوراً وَهُدىً لِّلناسِ) وقال محمد بن كعب القرظي : أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يسأل أهل الكتاب عن أمره وكيف يجدونه في كتبهم فحملهم حسد محمد أن كفروا بكتاب الله ورسوله وقالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال سعيد بن جبير : جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين وكان حبراً سميناً فغضب وقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له أصحابه الذين معه : ويحك ولا على موسى والله ما أنزل الله على بشر من شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (وَمَن أَظلَمُ مِّمَّن اِفتَرى عَلى اللهِ كَذِباً أَو قالَ أُوُحِيَ إِليَّ) نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي كان يسجع ويتكهن ويدعي النبوة ويزعم أن الله أوحى إليه . قوله تعالى (وَمَن قالَ سأُنزِلُ مِثلَ ما أَنزَلَ اللهُ) نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد تكلم بالإسلام فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يكتب له شيئاً فلما نزلت الآية التي في المؤمنين (وَلَقَد خَلَقنا الإِنسانَ مِن سُلالَةٍ) أملاها عليه فلما انتهى إلى قوله (ثُمَّ أَنشأَناهُ خَلقاً آَخَرَ) عجب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان فقال : تبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هكذا أنزلت علي فشك عبد الله حينئذ وقال : لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إلي كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال وذلك قوله (وَمَن قالَ سأُنزِلُ مِثلَ ما أَنزَلَ اللهُ) وارتد عن الإسلام وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي . أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال : حدثنا محمد بن عبد الله قال : حدثني محمد بن يعقوب الأموي قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال : حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال : حدثني شرحبيل بن سعد قال : نزلت في عبد الله بن سعد بن سرح قال : سأنزل مثل ما أنزل الله وارتد عن الإسلام فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى به عثمان رسول الله عليه الصلاة والسلام فاستأمن له . قوله تعالى (وَجَعَلوا للهِ شُرَكاءَ الجِنَّ) قال الكلبي : نزلت هذه الآية في الزنادقة قالوا : إن الله تعالى وإبليس إخوان والله خالق الناس والدواب وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب فذلك قوله تعالى (وَجَعَلوا للهِ شُركاءَ الجِنَّ) . قوله تعالى (وَلا تَسُبّوا الَّذينَ يَدعُونَ مِن دونِ اللهِ فَيَسُبّوا اللهَ عَدواً بِغَيرِ عِلمٍ) قال ابن عباس في رواية الوالبي : قالوا : يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك فنهى الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عدواً بغير علم . وقال قتادة : كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم فنهاهم الله تعالى أن يستسبوا لربهم قوماً جهلة لا علم لهم بالله . وقال السدي : لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش : انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمرنه أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب : كان يمنعه فلما مات قتلوه فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحرث وأمية وأبي ابنا خلف وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص والأسود بن البختري إلى أبي طالب فقالوا : أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمداً قد آذانا وآذى آلهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو طالب : هؤلاء قومك وبنو عمك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يريدون فقالوا : نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك فقال أبو طالب : قد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام . أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم قال أبو جهل : نعم وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها فما هي قال : قولوا : لا إله إلا الله فأبوا واشمأزوا فقال أبو طالب : قل غيرها يا ابن أخي فإن قومك قد فزعوا منها فقال : يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها فقالوا : لتكفن عن شتمك آلهتنا أو قوله تعالى (وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لَئِن جاءَتهُم آَيَةٌ لَّيؤمِنُنَّ بِها) إلى قوله تعالى (وَلَكِنَّ أَكثَرُهُم يَجهَلونَ) . أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال : حدثنا محمد بن يعقوب الأموي قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال : حدثنا يونس بن بكير عن أبي معشر عن محمد بن كعب قال : كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش فقالوا : يا محمد تخبرنا أن موسى عليه السلام كانت معه عصا ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً وأن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى وأن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي شيء تحبون أن آتيكم به فقالوا : تجعل لنا الصفا ذهباً قال : فإن فعلت تصدقوني قالوا : نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام وقال : إن شئت أصبح الصفا ذهباً ولكني لم أرسل آية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتركهم حتى يتوب تائبهم فأنزل الله تعالى (وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لَئِن جاءَتهُم آَيَةٌ لَّيُؤمِنُنَّ بِها) إلى قوله (ما كانوا لِيُؤمِنوا إِلّا أَن يَشاءَ اللهُ) . قوله تعالى (وَلا تَأكُلوا مِمّا لَم يُذكَرُ اِسمُ اللهِ عَلَيهِ) قال المشركون يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها قال : الله قتلها قالوا : فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما وقال عكرمة : إن المجوس من أهل فارس لما أنزل الله تعالى تحريم الميتة كتبوا إلى مشركي قريش وكانوا أولياءهم في الجاهلية وكانت بينهم مكاتبة أن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال وما ذبح الله فهو حرام فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (أَوَمَن كانَ مَيِتاً فَأَحيَيناهُ) قال ابن عباس : يريد حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث وحمزة لم يؤمن بعد فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ويقول : يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا قال حمزة : ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو محمد بن حيان قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب والوليد بن أبان قالا : حدثنا أبو حاتم قال : حدثنا أبو تقي قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا ميسر بن عقيل عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل (أَوَمَن كانَ مَيتاً فَأحيَيناهُ وَجَعَلنا لَهُ نُوراً يَمشي بِهِ في الناسِ) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (كَمَن مَّثَلُهُ في الظُلُماتِ لَيسَ بِخارِجٍ ) . |
سورة الأعراف قوله تعالى (( يا بَنِي آَدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ )) أخبرنا سعيد بن محمد العدل قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا الحسن بن حماد الوراق قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني عن نصر بن الحسن عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى أن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة فتعلق على سفلاها سيوراً مثل هذه السيور التي تكون على وجوه الحمر من الذباب وهي تقول : الـيومُ يَبـدو بَـعـضُـهُ أَو كُلُهُ وَمـا بَـدا مِـنـهُ فَـلا أُحِـلُهُ فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم (( يا بَني آَدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ )) فأمروا بلبس الثياب . أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ قال : حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال : مسلم البطين يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : وَمـا بَـدا مِـنـهُ فَــلا أُحِـــلُـــهُ الـيَومُ يَبـدو بَـعـضُـهُ أَو كُـلُـهُ فنزلت (( خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ )) ونزلت (( قُل مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ )) . رواه مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة . أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال : أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : كانوا إذا حجوا فأفاضوا من منى لا يصلح لأحد منهم في دينهم الذي أشرعوا أن يطوف في ثوبيه فأيهم طاف ألقاهما حتى يقضي طوافه وكان عارياً فأنزل الله تعالى فيهم (( يا بَني آَدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ )) إلى قوله تعالى (( يَعلَمونَ )) أنزلت في شأن الذين يطوفون بالبيت عراة . قال الكلبي : كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلا قوتاً ولا يأكلون دسماً في أيام حجهم يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون : يا رسول الله نحن أحق بذلك فأنزل الله تعالى (( وَكُلوا )) أي اللحم والدسم (( وَاِشرَبوا )) . قوله تعالى (( وَاِتلُ عَلَيهِم نَبأَ الَّذي آَتَيناهُ آَياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها )) قال ابن مسعود: نزلت في بلعم بن باعورا رجل من بني إسرائيل . وقال ابن عباس وغيره من المفسرين : هو بلعم بن باعورا . وقال الوالبي : هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم وكان يعلم اسم الله الأعظم فلما نزل بهم موسى عليه السلام أتاه بنو عمه وقومه وقالوا : إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه قال : إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فسلخه مما كان عليه فذلك قوله تعالى (( فَاِنسَلَخَ مِنها )) . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم : نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسول في ذلك الوقت ورجا أن يكون هو ذلك الرسول فلما أرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم حسده وكفر به . وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيها وكانت له امرأة يقال لها البسوس وكان له منها ولد وكانت له محبة فقالت : اجعل لي منها دعوة واحدة قال : لك واحدة فماذا تأمرين قالت : ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئاً آخر فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نباحة فذهبت فيها دعوتان وجاء بنوها فقالوا : ليس لنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة نباحة يعيرنا بها الناس فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها فدعا الله فعادت كما كانت وذهبت الدعوات الثلاث وهي البسوس وبها يضرب المثل في الشؤم فيقال : أشأم من البسوس . قوله تعالى (( يَسأَلُونَكَ عَنِ الساعَةِ أَيّانَ مُرساها )) قال ابن عباس : قال جبل بن أبي قشير وشموال بن زيد من اليهود : يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً فإنا نعلم متى هي فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال قتادة : قالت قريش لمحمد إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى تكون الساعة فأنزل الله تعالى (( يَسأَلُونَكَ عَنِ الساعَةِ )) . أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر الوراق قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال : حدثنا أبو يعلى قال : حدثنا عقبة بن مكرم قال : حدثنا يونس قال : حدثنا عبد الغفار بن القاسم عن أبان بن لقيط عن قرظة بن حسان قال : سمعت أبا موسى في يوم جمعة على منبر البصرة يقول : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد فقال : لا يعلمها إلا الله لا يجليها لوقتها إلا هو ولكن سأحدثكم بأشراطها وما بين يديها إن بين يديها ردماً من الفتن وهرجاً فقيل : وما الهرج يا رسول الله قال : هو بلسان الحبشة القتل وأن تحصر قلوب الناس وأن يلقى بينهم التناكر فلا يكاد أحداً يعرف أحداً ويرفع ذوو الحجى وتبقى رجاجة من الناس لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً . قوله تعالى (( قُل لّا أَملِكُ لِنَفسي نَفعاً وَلا ضَرّاً )) قال الكلبي : إن أهل مكة قالوا : يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري فتربح وبالأرض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلى ما قد أخصب فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (( هُوَ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدةٍ)) إلى قوله تعالى (( وَهُم يُخلَقونَ )) قال مجاهد : كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد فقال لهما الشيطان : إذا ولد لكما ولد فسمياه عبد الحرث وكان اسم الشيطان قبل ذلك الحرث ففعلا فذلك قوله تعالى (( فَلَمّا أَتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُركاءَ )) . قوله تعالى (( وَإذا قُريءَ القُرآَنُ فَاِستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا )) أخبرنا أبو منصور المنصوري قال : أخبرنا عبد الله بن عامر قال : حدثني زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة في هذه الآية (( وإِذا قُريءَ القُرآَنُ )) قال : نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة . وقال قتادة : كانوا يتكلمون في صلاتهم في أول ما فرضت كان الرجل يجيء فيقول لصاحبه : كم صليتم فيقول كذا وكذا فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال الزهري : نزلت في فتى من الأنصار كان رسول الله عليه الصلاة والسلام كلما قرأ شيئاً قرأ هو فنزلت هذه الآية . وقال ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة المكتوبة وقرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم فخلطوا عليه فنزلت هذه الآية . وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وجماعة : نزلت في الإنصات للإمام في الخطبة يوم الجمعة . |
سورة الأنفال قوله تعالى (( يَسئَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ قُلِ الأَنفالُ للهِ وَالرَسولِ )) أخبرنا أبو سعد النضروي قال : أخبرنا أبو بكر القطيعي قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن عبد الله الثقفي عن سعد بن أبي وقاص قال : لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتل سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكثيفة فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم قال : اذهب فاطرحه في القبض قال : فرجعت وبي مالا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قريباً حتى نزلت سورة الأنفال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب فخذ سيفك . وقال عكرمة عن ابن عباس : لما كان يوم بدر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا فذهب شباب الرجال وجلس الشيوخ تحت الرايات فلما كانت الغنيمة جاء الشباب يطلبون نفلهم فقال الشيوخ : لا تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرايات ولو انهزمتم كنا لكم ردءاً فأنزل الله تعالى (( يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ )) فقسمها بينهما بالسواء . أخبرنا أبو بكر الحارث قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال : حدثنا أبو يحيى قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا يحيى بن زائدة عن ابن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحرث عن سليمان بن موسى الأشدق عن ابن مكحول عن أبي سلام الباهلي عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت قال : لما هزم العدو يوم بدر واتبعتهم طائفة يقتلونهم وأحدقت طائفة برسول الله عليه الصلاة والسلام واستولت طائفة على العسكر والنهب فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم وقالوا : لنا النفل بحسن طلبنا العدو وبنا نفاهم وهزمهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما أنتم بأحق به منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينال العدو منه غرة فهو لنا وقال الذين استولوا على العسكر والنهب : والله ما أنتم بأحق به منا نحن أخذناه واستولينا عليه فهو لنا فأنزل الله تعالى (( يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ )) فقسمه رسول الله عليه الصلاة والسلام بالسوية . قوله تعالى (( وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمى )) أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد البياع قال : أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني قال : حدثني جدي قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : أقبل أبي بن خلف يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده فاعترض له رجال من المؤمنين فأمرهم رسول الله عليه الصلاة والسلام فخلوا سبيله فاسقبله مصعب بن عمير أحد بني عبد الدار ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي من فرجة بين سابغة البيضة والدرع فطعنه بحربته فسقط أبي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم وكسر ضلعاً من أضلاعه فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا له : ما أعجزك إنما هو خدش فقال : والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين فمات أبي إلى النار فسحقاً لأصحاب السعير قبل أن يقدم مكة فأنزل الله تعالى ذلك (( وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمى )) . وروى صفوان بن عمرو عن عبد العزيز بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر دعا بقوس فأتى بقوس طويلة فقال : جيئوني بقوس غيرها فجاءوه بقوس كبداء فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصن فأقبل السهم يهوي حتى قتل كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه فأنزل الله تعالى (( وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنّ اللهَ رَمى )) . وأكثر أهل التفسير أن الآية نزلت في رمي النبي عليه الصلاة والسلام القبضة من حصباء الوادي يوم بدر حين قال للمشركين : شاهت الوجوه ورماهم بتلك القبضة فلم يبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء . قال حكيم بن حزام : لما كان يوم بدر سمعنا صوتاً وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحصاة فانهزمنا فذلك قوله تعالى (( وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمى )) . قوله تعالى (( إِن تَستَفتِحوا فَقَد جاءَكُمُ الفَتحُ )) أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال : أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ قال : حدثنا محمد بن يحيى : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صغير قال : كان المستفتح أبا جهل وإنه قال حين التقى بالقوم : اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لم نعرف فافتح له الغداة وكان ذلك استفتاحه فأنزل الله تعالى (( إِن تَستَفتِحوا فَقَد جاءَكُم )) إلى قوله (( وَإِنَّ اللهَ مَعَ المُؤمِنينَ )) رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن القطيعي عن ابن حنبل عن أبيه عن يعقوب . قال السدي والكلبي : كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال عكرمة : قال المشركون : اللهم لا نعرف ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام فافتح بيننا وبينه بالحق فأنزل الله تعالى (( إِن تَستَفتِحوا )) . قوله تعالى (( يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لّا تَخونوا اللهَ وَالرَسولَ)) نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة - إحدى وعشرين ليلة فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحا من أرض الشام فأبى أن يعطيهم ذلك إلى أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحاً لهم لأن عياله وماله وولده كانت عندهم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقالوا : يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا قال أبو لبابة : والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله فنزلت فيه هذه الآية فلما نزلت شد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال : والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علي فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاماً حتى خر مغشياً عليه ثم تاب الله عليه فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده ثم قال أبو لبابة : إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزيك الثلث أن تتصدق به . قوله تعالى (( وَإِذ قالُوا اَللَّهُمَّ إِن كانَ هَذا هُوَ الحَقَّ )) قال أهل التفسير : نزلت في النضر بن الحارث وهو الذي قال : إن كان ما يقوله محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء . أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا محمد بن يعقوب الشيباني قال : حدثنا أحمد بن النضر بن عبد الوهاب قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ قال : حدثنا أبي قال : حدثنا شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي سمع أنس بن مالك يقول : قال أبو جهل : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزل (( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم )) . ورواه البخاري . قوله تعالى (( وَما كانَ صَلاتُهُم عِندَ البَيتِ )) أخبرنا أبو إسماعيل بن أبي عمرو النيسابوري قال : أخبرنا حمزة بن شبيب المعمري قال : أخبرنا عبيد الله بن إبراهيم بن بالويه قال : حدثنا أبو المنبيء معاذ بن المنبيء قال : حدثنا عمرو قال : وحدثنا أبي قال : حدثنا قرة عن عطية عن ابن عمرو قال : كانوا يطوفون بالبيت ويصفقون ووصف الصفق بيده ويصفقون ووصف صفيرهم ويضعون خدودهم بالأرض فنزلت هذه الآية . قوله تعالى (( إِنَّ الَّذينَ كَفَروا يُنفِقونَ أَموالَهُم لِيَصُدّوا عَن سَبيلِ اللهِ)) قال مقاتل والكلبي : نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلاً أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ونبيه ومنبه ابنا حجاج وأبو البحتري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحرث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب وكلهم من قريش وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشرة جزور . وقال سعيد بن جبير وابن بزى : نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وسلم سوى من استجاب له من العرب وفيهم يقول كعب بن مالك : فَجِئنا إِلى مَـوجٍ مِـنَ الـبَحرِ وَسطَهُ أَحابـيشُ مِـنـهُم حـاسِرٌ وَمُقَنَعُ وقال الحكم بن عتبة : أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية فنزلت فيه الآية . وقال محمد بن إسحاق عن رجاله : لما أصيب قريش يوم بدر فرجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير تجارة فقالوا : يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أصيب منا ففعلوا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية . قوله تعالى (( يا أَيُّها النَبِيُّ حَسبُكَ اللهُ وَمَن اِتَبَعكَ مِنَ المُؤمِنينَ )) أخبرنا أبو بكر بن الحرث قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال: حدثنا صفوان بن المغلس قال : حدثنا إسحاق بن بشر قال : حدثنا خلف بن خليفة عن ابن هشام الزماني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى (( يا أَيُّها النَبِيُّ حَسبُكَ اللهُ وَمَن اِتَبَعَكَ مِنَ المُؤمِنينَ )) . قوله تعالى (( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ )) قال مجاهد : كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق رأيه ما يجيء من السماء وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار في أسارى بدر فقال : المسلمون بنو عمك أفدهم قال عمر : لا يا رسول الله اقتلهم قال : فنزلت هذه الآية (( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى )) . وقال ابن عمر : استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسارى أبا بكر فقال : قومك وعشيرتك خل سبيلهم واستشار عمر فقال : اقتلهم ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ )) إلى قوله تعالى (( فَكُلوا مِمّا غَنِمتُم حَلالاً طَيِّباً )) قال : فلقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء . أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري قال : أخبرنا حاجب بن أحمد قال : حدثنا محمد بن حماد قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال : لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسرى فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم واستأن بهم لعل الله عز وجل يتوب عليهم وقال عمر كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة : انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم اضرم عليهم ناراً فقال العباس : قطعت رحمك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم ثم دخل فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس : يأخذ بقول عمر وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله ثم خرج عليهم فقال : إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وأن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال (( مَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِني وَمَن عَصاني فَإِنَّكَ غَفورٌ رَحيمٌ )) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال (( إِن تُعَذِّبهُم فَإِنَّهُم عِبادُكُ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ )) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال (( رَبَّنا اِطمِس عَلى أَموالِهِم وَاِشدُد عَلى قُلُوبِهِم )) ومثلك يا عمر كمثل نوح قال (( رَّبِّ لا تَذَر عَلى الأَرضِ مِنَ الكافِرينَ دَيّاراً )) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم اليوم عالة أنتم اليوم عالة فلا ينقلبن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق قال : فأنزل الله عز وجل (( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ )) إلى آخر الآيات الثلاث . أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبو نوح قراد قال : حدثنا عكرمة بن عمار قال : حدثنا سماك الحنفي أبو زميل قال : حدثني ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم بدر والتقوا فهزم الله المشركين وقتل منهم سبعون رجلاً وأسر سبعون رجلاً استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً فقال أبو بكر : يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب قال : قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس في قلوبنا موادة للمشركين هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر : غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وإذا هما يبكيان فقلت : يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض على أصحابك من الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة وأنزل الله عز وجل (( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ )) إلى قوله (( لَّولا كِتابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَكُم فيما أَخَذتُم )) - من الفداء – (( عَذابٌ عَظيمٌ )) . رواه مسلم في الصحيح عن هناد بن السري عن ابن المبارك عن عكرمة بن عمارة . قوله تعالى (( يا أَيُّها النَبِيُّ قُل لِّمَن في أَيدِيَكُم مِّنَ الأَسرى )) قال الكلبي : نزلت في العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث وكان العباس أسر يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب كان خرج بها معه إلى بدر ليطعم بها الناس وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر ولم يكن بلغته النوبة حتى أسر فأخذت معه وأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه قال : فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لي العشرين الأوقية الذهب التي أخذها مني من فدائي فأبى علي وقال : إما شيء خرجت تستعين به علينا فلا وكفلني فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة فقلت له : تركتني والله أسال قريشاً بكفي والناس ما بقيت قال: فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل مخرجك إلى بدر وقلت لها : إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك ولعبد الله والفضل وقثم قال : قلت وما يدريك قال: أخبرني الله بذلك قال: أشهد أنك لصادق وإني قد دفعت إليها ذهباً ولم يطلع عليها أحد إلا الله فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال العباس : فأعطاني الله خيراً مما أخذ مني كما قال : عشرين عبداً كلهم يضرب بمال كبير مكان العشرين أوقية وأنا أرجو المغفرة من ربي . |
|
سورة يونس قوله تعالى (( أَكانَ لِلناسِ عَجَباً أَن أَوحَينا إِلى رَجُلٍ مِّنهُم أَن أَنذِرِ الناسَ )) قال ابن عباس : لما بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً أنكرت الكفار وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (( وَإِذا تُتلى عَلَيهُم آَياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ لا يَرجونَ لِقاءَنا )) قال مجاهد : نزلت في مشركي مكة . قال مقاتل : وهم خمسة نفر عبد الله بن أبي أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى . وقال الكلبي : نزلت في المستهزئين قالوا : يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسألك |
سورة هود قوله تعالى (( أَلا إِنَّهُم يَثنونَ صُدورَهُم )) نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلاً حلو الكلام حلو المنظر يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحب ويطوي بقلبه ما يكره . وقال الكلبي : كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم يظهر له أمراً يسره ويضمر في قلبه خلاف ما يظهر فأنزل الله تعالى (( أَلا إِنَّهُم يَثنونَ صُدورَهُم )) يقول يكنون ما في صدورهم من العداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى (( وَأَقِمِ الصَلاةَ طَرَفَيِ النَهارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَيِّئاتِ )) . أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال : حدثنا إبراهيم بن علي قال : حدثنا يحيى بن يحيى قال : حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن آتيها وأنا هذا فاقض في ما شئت قال : فقال عمر : لقد سترك الله لو سترت نفسك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق الرجل فأتبعه رجلاً ودعاه فتلا عليه هذه الآية فقال رجل : يا رسول الله هذا له خاصة قال : لا بل للناس كافة رواه مسلم عن يحيى ورواه البخاري . وأخبرنا عمر بن أبي عمر أخبرنا محمد بن مكي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل حدثنا بشر بن يزيد بن زريع قال : حدثنا سليمان التميمي عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية (( أَقِمِ الصَلاةَ طَرَفَيِ النَهارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيلِ )) إلى آخر الآية فقال الرجل : ألي هذه قال : لمن عمل بها من أمتي . أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال : حدثنا محمد بن يعقوب الأموي قال : حدثنا العباس الدوري حدثنا أحمد بن حنبل المروزي قال : حدثنا ابن المبارك قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا عثمان بن مؤمن عن موسى بن طلحة عن أبي اليسر بن عمرو قال : أتتني امرأة وزوجها بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في بعث فقالت بعني بدرهم تمراً قال : فأعجبتني فقلت : إن في البيت تمراً هو أطيب من هذا فالحقيني فغمزتها وقبلتها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه الأمر فقال : خنت رجلاً غازياً في سبيل الله في أهله بهذا وأطرق عني فظننت أني من أهل النار وأن الله لا يغفر لي أبداً وأنزل الله تعالى (( أَقِمِ الصَلاةَ طَرَفَيِ النَهارِ )) فأرسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فتلاها علي . أخبرنا نصر بن بكر بن أحمد الواعظ قال : أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد السجزي قال : أخبرنا محمد بن أيوب الرازي قال : أخبرنا علي بن عثمان وموسى بن إسماعيل وعبيد الله بن العاصم واللفظ لعلي قالوا : أخبرنا حماد بن سلمة قال : حدثنا علي بن يزيد عن يوسف بن ماهان عن ابن عباس أن رجلاً أتى عمر فقال : إن امرأة جاءتني تبايعني فأدخلتها الدولج فأصبت منها كل شيء إلا الجماع فقال : ويحك لعلها مغيب في سبيل الله قلت : أجل قال : ائت أبا بكر فقال ما قال لعمر ورد عليه مثل ذلك وقال : ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مثل ما قال لأبي بكر وعمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلها مغيب في سبيل الله فقال : نعم فسكت عنه ونزل القرآن (( أَقِمِ الصَلاةَ طَرَفَيَ النَهارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَيِّئاتِ )) فقال الرجل : ألي خاصة يا رسول الله أم للناس عامة فضرب عمر صدره وقال : لا ولا نعمة عين ولكن للناس عامة فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : صدق عمر . أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الطوسي قال : حدثنا علي بن عمر الحافظ قال : حدثنا الحبر بن إسماعيل المحاملي قال : حدثنا يوسف بن موسى قال : حدثنا جرير عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل أنه كان قاعداً عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال : يا رسول الله ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئاً يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصابه منها إلا أنه لم يجامعها فقال : توضأ وضوءاً حسناً ثم قم فصل قال : فأنزل الله تعالى هذه الآية (( أَقِمِ الصَلاةَ طَرَفَيِ النَهارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيلِ )) إلى آخرها فقال معاذ بن جبل: أهي له أم للمسلمين عامة فقال : بل هي للمسلمين عامة . أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الروزباري قال : أخبرنا حاجب بن أحمد قال : أخبرنا عبد الرحيم بن منيب قال : حدثنا الفضل بن موسم الشيباني قال : حدثنا سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن سويد عن ابن مسعود أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أصبت من امرأة غير أني لم آتها فأنزل الله تعالى (( أَقِمِ الصَلاةَ طَرَفَيِ النَهارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَيِّئاتِ )) . قوله تعالى (( وَكَأَيِّن مِّن دابَّةٍ لا تَحمِلُ رِزقَها )) أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي قال : أخبرنا أبو محمد بن حيان قال : أخبرنا أحمد بن جعفر الجمال قال : أخبرنا عبد الواحد بن محمد البجلي قال : أخبرنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا الحجاج بن منهال عن الزهري عن عبد الرحيم بن عطاء عن عطاء عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار فجعل يلقط من التمر ويأكل فقال: يا ابن عمر ما لك لا تأكل فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله فقال : لكني أشتهيه وهذه صبيحة رابعة ما ذقت طعاماً ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين قال : فوالله ما برحنا حتى نزلت (( وَكَأَيِّن مِّن دابَّةٍ لّا تَحمِلُ رِزقَها اللهُ يَرزُقُها وَإِيّاكُم وَهُوَ السَميعُ العَليمُ )) |
سورة يوسف قوله تعالى (( نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ )) أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن القاص قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال : حدثنا عمرو بن محمد القرشي قال : حدثنا خلاد بن مسلم الصفار عن عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص في قوله عز وجل (( نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ )) قال : أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زماناً فقالوا : يا رسول الله لو قصصت فأنزل الله تعالى (( الَرَ تِلكَ آَياتُ الكِتابِ المُبينِ )) إلى قوله (( نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ )) فتلاه عليهم زماناً فقالوا : يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله تعالى (( اللهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ كِتاباً مُّتَشابِهاً )) قال : كل ذلك ليؤمنوا بالقرآنرواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر العنبري عن محمد بن عبد السلام عن إسحاق بن إبراهيم . وقال عون بن عبد الله : مل أصحاب رسول الله ملة فقالوا : يا رسول الله حدثنا فأنزل الله تعالى (( اللهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ )) قال : ثم إنهم ملوا ملة أخرى فقالوا : يا رسول الله فوق الحديث ودون القرآن يعنون القصص فأنزل الله تعالى (( نَحنُ نَقُّصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ )) فأرادوا الحديث فدلهم على أحسن الحديث وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص . |
سورة الرعد قوله تعالى (( وَيُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصيبُ بِها مَن يَشاءُ )) أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ قال : أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصر قال : أخبرنا محمد بن أيوب الرازي قال : أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب قال : حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني قال : حدثنا ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب فقال : اذهب فادعه لي فقال : يا رسول الله إنه أعتى من ذلك قال : اذهب فادعه لي قال : فذهب إليه فقال : يدعوك رسول الله قال وما الله أمن ذهب هو أو من فضة أو من نحاس قال : فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره وقال : وقد أخبرتك أنه أعتى من ذلك فقال لي كذا وكذا فقال : ارجع إليه الثانية فادعه فرجع إليه فعاد عليه مثل الكلام الأول فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : ارجع إليه فرجع الثالثة فأعاد عليه ذلك الكلام فبينا هو يكلمني إذ بعثت إليه سحابة حيال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه فأنزل الله تعالى (( وَيُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصيبُ بِها مَن يَشاءُ وَهُم يُجادِلونَ في اللهِ وَهوَ شَديدُ المِحالِ )) . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح وابن جريج وابن زيد : نزلت هذه الآية والتي قبلها في عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة وذلك أنهما أقبلا يريدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله هذا عامر بن طفيل قد أقبل نحوك فقال دعه فإن يرد الله به خيراً يهده فأقبل حتى قام عليه فقال : يا محمد ما لي إن أسلمت قال : لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال : تجعل لي الأمر بعدك قال لا ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء قال : فتجعلني على الوبر وأنت على المدر قال : لا قال : فماذا تجعل لي قال : أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها قال : أوليس ذلك إلي اليوم وكان أوصى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه فاخترط من سيفه شبراً ثم حبسه الله تعالى فلم يقدر على سله وجعل عامر يومئ إليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه فقال : اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته وولى عامر هارباً وقال : يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً وفتياناً مرداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يمنعك الله تعالى من ذلك وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم عليه سلاحه فخرج وهو يقول : واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنهما برمحي فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكاً فلطمه بجناحيه فأذراه في التراب وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت السلولية ثم مات على ظهر فرسه وأنزل الله تعالى فيه هذه القصة (( سَواءٌ مِّنكُم من أَسَرَّ القَولَ وَمَن جَهَرَ بِهِ )) حتى بلغ (( وَما دُعاءُ الكافِرينَ إِلّا في ضَلالٍ )) . قوله تعالى (( وَهُم يَكفُرونَ بِالرَحمَنِ )) قال أهل التفسير : نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو والمشركون : ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب اكتب باسمك اللهم وهكذا كانت الجاهلية يكتبون فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية . وقال ابن عباس في رواية الضحاك : نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : اسجدوا للرحمن قالوا : وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال : قل لهم إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو . قوله تعالى (( وَلَو أَنَّ قُرآَناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ )) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال : أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال : أخبرنا أبو يعلى قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن ثملة الأنصاري حدثنا خلف بن تميم عن عبد الجبار بن عمر الأبلى عن عبد الله بن عطاء عن جدته أم عطاء مولاة الزبير قالت : سمعت الزبير بن العوام يقول : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: تزعم أنك نبي يوحى إليك وأن سليمان سخر له الريح وأن موسى سخر له البحر وأن عيسى كان يحيي الموتى فادع الله تعالى أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا في الأرض أنهاراً فنتخذها محارث ومزارع ونأكل وإلا فادع أن يحيي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا وإلا فادع الله أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهباً فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فإنك تزعم أنك كهيئتهم فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي فلما سري عنه قال : والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان ولكنه خيرني بين أن تدخلوا في باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة فاخترت باب الرحمة وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه معذبكم عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين فنزلت (( وَما مَنَعَنا أَن نُّرسِلَ بِالآَياتِ إِلّا أَن كَذَّبَ بِها الأَوَّلونَ )) ونزلت (( وَلَو أَنَّ قُرآَناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ )). قوله تعالى (( وَلَقَد أَرسَلنا رُسُلاً مِن قَبلِكَ وَجَعَلنا لَهُم أَزواجاً )) قال الكلبي : عيرت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : ما نرى لهذا الرجل مهمة إلا النساء والنكاح ولو كان نبياً كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء فأنزل الله تعالى هذه الآية . |
سورة الحجر قوله تعالى (( وَلَقَد عَلِمنا المُستَقدِمينَ مِنكُم وَلَقَد عَلِمنا المُستَأَخِرينَ )) أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ قال : أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصير الرازي قال : أخبرنا سعيد بن منصور قال : حدثنا نوح بن قيس الطائي قال : حدثنا عمر بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء في آخر النساء وكان بعضهم يتقدم إلى الصف الأول لئلا يراها وكان بعضهم يتأخر في الصف الآخر فإذا ركع قال هكذا ونظر من تحت إبطه فنزلت (( وَلَقَد عَلِمنا المُستَقدِمينَ مِنكُم وَلَقَد عَلِمنا المُستَأَخِرينَ )) . وقال الربيع بن أنس : حرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا نبيع دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (( وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم )) أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني محمد بن سليمان بن خالد الفحام قال : حدثنا علي بن هاشم عن كثير النوا قال : قلت لأبي جعفر : إن فلاناً حدثني عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم (( وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِّن غِلٍّ إِخواناً عَلى سُرُرٍ مُّتَقابِلينَ )) قال : والله إنها لفيهم نزلت وفيهم نزلت الآية قلت : وأي غل هو قال : غل الجاهلية إن بني تيم وعدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم وأجابوا أخذ أبا بكر الخاصرة فجعل علي رضي الله عنه يسخن يده فيضمخ بها خاصرة أبي بكر فنزلت هذه الآية . قوله تعالى (( نَبِّيء عِبادي أَنِّي أَنا الغَفورُ الرَحيمُ )) روى ابن المبارك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي دخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال : لا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى فقال : إني لما خرجت جاء جبريل عليه السلام فقال : يا محمد يقول الله تعالى عز وجل : لم تقنط عبادي (( نَبِّيء عِبادي أَنِّي أَنا الغَفورُ الرَحيمُ )) . قوله تعالى (( وَلَقَد آَتَيناكَ سَبعاً مِّنَ المَثاني وَالقُرآَنَ العَظيمَ )) قال الحسين بن الفضل : إن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات وليهود قريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البز وأوعية الطيب والجواهر وأمتعة البحر فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها فأنفقناها في سبيل الله فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال : لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل ويدل على صحة هذا قوله على أثرها (( لا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ )) |
بارك الله فيك ونفع بك
جزيت الفردوس الاعلي حماك المولي يعطيك العافيه |
سورة النحل قوله تعالى (( أَتى أَمرُ اللهِ )) قال ابن عباس لما أنزل الله تعالى (( اِقتَرَبَتِ الساعَةُ وَاِنشَقَّ القَمَر )) قال الكافر بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن القيامة : قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا : ما نرى شيئاً فأنزل الله تعالى (( اِِقتَرَبَ لِلناسِ حِسابُهُم وَهُم في غَفلَةٍ مُّعرِضونَ )) فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوفنا به فأنزل الله تعالى (( أَتَى أَمرُ اللهِ )) فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم فنزل (( فَلا تَستَعجِلوهُ )) فاطمأنوا فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعه إن كادت لتسبقني وقال الآخرون : الأمر ها هنا العذاب بالسيف وهذا جواب للنضر بن الحرث حين قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء يستعجل العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (( خَلَقَ الِإنسانَ مِن نُطفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصيمٌ مُّبينٌ )) نزلت الآية في أبي بن خلف الجمحي حين جاء بعظم رميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رم نظيرة هذه الآية قوله تعالى في سورة يس (( أَوَلَم يَرَ الِإنسانُ أَنَّا خَلَقناهُ مِن نُّطفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصيمٌ مُّبينٌ )) إلى آخر السورة نازلة في هذه القصة . قوله عز وجل (( وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لا يَبعَثُ اللهُ مَن يَموتُ )) قال الربيع بن أنس عن أبي العالية : كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والذي أرجوه بعد الموت فقال المشرك : وإنك لتزعم أنك لتبعث بعد الموت فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله عز وجل (( وَالَّذينَ هاجَروا في اللهِ مِن بَعدِ ما ظُلِموا )) نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بلال وصهيب وخباب وعامر وجندل بن صهيب أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم وآذوهم فبوأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة . قوله عز وجل (( وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ إِلا رِجالاً نُّوحِيَ إِلَيهِم )) نزلت في مشركي مكة أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً فهلا بعث إلينا ملكاً . قوله تعالى (( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبداً مَّملوكاً )) أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : أخبرنا أبو بكر الأنباري قال : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال: حدثنا عفان قال : حدثنا وهيب قال : حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إبراهيم عن عكرمة عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية (( ضَرَبَ اللهُ مَثلاً عَبداً مَّملوكاً لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ )) في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سراً وجهراً ومولاه أبو الجوزاء الذي كان ينهاه فنزلت (( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَينِ أَحَدَهُما أَبكَمُ لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ )) فالأبكم منهما الكل - على مولاه - هذا السيد أسد بن أبي العيص والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رضي الله عنه . قوله عز وجل (( إِنَّ اللهَ يَأَمُرُ بِالعَدلِ وَالِإحسانِ )) أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا روح بن عبادة عن عبد الحميد بن بهرام قال : حدثنا شهر بن حوشب قال : حدثنا عبد الله بن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالساً إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : ألا تجلس فقال : بلى فجلس إليه مستقبله فبينما هو يحدثه إذ شخص بصره إلى السماء فنظر ساعة وأخذ يضع بصره حتى وضع على عتبة في الأرض ثم تحرف عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره فأخذ ينغض رأسه كأنه يستنقه ما يقال له ثم شخص بصره إلى السماء كما شخص أول مرة فأتبعه بصره حتى توارى في السماء وأقبل على عثمان كجلسته الأولى فقال : يا محمد فيما كنت أجالسك وآتيك ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة قال : ما رأيتني فعلت قال : رأيتك شخص بصرك إلى السماء ثم وضعته حتى وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني فأخذت تنغض رأسك كأنك تستنقه شيئاً يقال لك قال أوفطنت إلى ذلك قال عثمان نعم قال : أتاني رسول الله جبريل عليه السلام وسلم آنفاً وأنت جالس قال : فماذا قال لك قال : قال لي (( إِنَّ اللهَ يَأَمُرُ بِالعَدلِ وَالِإحسانِ وَإِيتاءِ ذي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَكُم تَذَكَّرونَ )) فذاك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى (( وَإِذا بَدَّلنا آَيَةً مَّكانَ آَيَةٍ )) نزلت حين قال المشركون : إن محمداً عليه الصلاة والسلام سخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً أو يأتيهم بما هو أهون عليهم وما هو إلا مفترى يقوله من تلقاء نفسه فأنزل الله تعالى هذه الآية - والتي بعدها . قوله تعالى (( وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّهُم يَقولونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ )) أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان الزاهد قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو هاشم الرفاعي قال : حدثنا أبو فضيل قال : حدثنا حصين عن عبيد الله بن مسلم قال : كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر اسم أحدهما يسار والآخر خير وكانا يقرآن كتباً لهم بلسانهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما فيسمع قراءتهما وكان المشركون يقولون يتعلم منهما فأنزل الله تعالى فأكذبهم (( لِسانُ الَّذي يُلحِدونَ إِلَيهِ أَعجَميٌّ )) . قوله عز وجل (( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعدِ إِيمانِهِ )) قال ابن عباس : نزلت في عمار بن ياسر وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسراً وأمه سمية وصهيباً وبلالاً وخباباً وسالماً فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجيء قبلها بحربة وقيل لها : إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت وقتل زوجها ياسر وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام . وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن عماراً كفر فقال : كلا إن عماراً مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسح عينيه وقال : إن عادوا لك فعد لهم بما قلت فأنزل الله هذه الآية . وقال مجاهد : نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا فكتب إليهم المسلمون المدينة أن هاجروا فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مكرهين وفيهم نزلت هذه الآية . قوله تعالى (( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا )) قال قتادة : ذكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى قبل هذه الآية أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة فلما جاءهم ذلك خرجوا فلحقهم المشركون فردوهم فنزلت (( اَلَم أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آَمَنا وَهُم لا يُفتَنونَ )) فكتبوا بها إليهم فتبايعوا بينهم على أن يخرجوا فإن لحقهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجو ويلحقوا بالله فأدركهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله عز وجل (( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا ثُمَّ جاهَدوا وَصَبَروا )) . قوله عز وجل (( اُدعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ )) أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال : أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا الحكم بن موسى قال : حدثنا إسماعيل بن عباس عن عبد الملك بن أبي عيينة عن الحكم بن عيينة عن مجاهد عن ابن عباس قال : لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى منظراً ساءه ورأى حمزة قد شق بطنه واصطلم أنفه وجدعت أذناه فقال : لولا أن يحزن النساء أو يكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله تعالى من بطون السباع والطير لأقتلن مكانه سبعين رجلاً منهم ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه فخرجت رجلاه فجعل على رجليه شيئاً من الإذخر ثم قدمه وكبر عليه عشراً ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة وكان القتلى سبعين فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية (( اُدعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ )) إلى قوله (( وَاِصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا بالله )) . أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الحافظ قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا يعقوب الوليد الكندي قال : حدثنا صالح المري قال : حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة قال : أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة فرآه صريعاً فلم ير شيئاً كان أوجع لقلبه منه وقال : والله لأقتلن بك سبعين منهم فنزلت (( وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِّلصابِرينَ )) . أخبرنا أبو حسان المزكي قال : أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا قيس عن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به : لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلاً منهم فأنزل الله عز وجل (( وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِّلصابِرينَ )) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نصبر يا رب . قال المفسرون : إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون وقطع المذاكير والمثلة السيئة قالوا حين رأوا ذلك : لئن ظفرنا الله سبحانه وتعالى عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ولنفعلن ولنفعلن ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة وقد جدعوا أنفه وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم استرطتها لتأكلها فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما إنها لو أكلته لم تدخل لنار أبداً حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئاً من جسده النار فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء كان أوجع لقلبه منه فقال رحمة الله عليك : إنك ما علمت كنت وصولاً للرحم فعالاً للخيرات ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى أما والله لئن أظفرني الله تعالى بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك فأنزل الله تعالى (( وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بلى نصبر وأمسك عما أراد وكفر عن يمينه . قال الشيخ الإمام الأوحد أبو الحسن : ونحتاج أن نذكر ههنا مقتل حمزة . أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي قال : أخبرنا محمد بن مكي قال : أخبرنا محمد بن يوسف قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الجعفي قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله حدثنا حجين بن المثنى قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وأخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : أخبرنا والدي قال : أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثنا عبد الله بن الفضل بن عياش بن ربيعة عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال : خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار فمررنا بحمص فلما قدمناها قال لي عبيد الله بن عدي : هل لك أن نأتي وحشياً نسأله كيف كان قتل حمزة قلت له : إن شئت فقال لنا رجل : أما إنكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلب عليه الخمر فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً عربياً عنده بعض ما تريدان فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه قلنا : جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة رحمة الله عليه فقال : أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك كنت غلاماً لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر فلما سارت قريش إلى أحد قال جبير بن مطعم : إن قتلت حمزة عم محمد عليه الصلاة والسلام بعمي طعيمة فأنت عتيق قال : فخرجت وكنت حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطيء بها شيئاً فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة رحمة الله عليه حتى رأيته في عرض الجيش مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هداً ما يقوم له شيء فوالله إني لأتهيأ له وأستتر منه بحجر أو شجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة رحمة الله عليه قال : ها يا ابن مقطعة البظور قال : ثم ضربه فوالله ما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذ رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه فذهب لينافحني فغلب فتركته حتى مات رضي الله عنه ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى الناس فقعدت في العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة إنما قتلته لأعتق فلما قدمت مكة عتقت فأقمت بها حتى نشأ فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً وقيل لي : إن محمداً عليه الصلاة والسلام لا يهيج الرسل قال : فخرجت معهم حتى قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال : أنت وحشي قلت : نعم قال : أنت قتلت حمزة قلت : قد كان من الأمر ما قد بلغك قال : فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني قال : فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس إلى مسيلمة الكذاب قلت : لأخرجن إلى مسيلمة الكذاب لعلي أقتله فأكافئ به حمزة فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان . |
سورة الإسراء قوله عز وجل (( وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ )) أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن علي بن عمران قال : أخبرنا أبو علي أحمد الفقيه قال : أخبرنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل المحاملي . قال : حدثنا زكرياء بن يحيى الضرير قال : حدثنا سليمان بن سفيان الجهني قال : حدثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : جاء غلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمي تسألك كذا وكذا فقال : ما عندنا اليوم شيء قال : فتقول لك اكسني قميصك قال : فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت حاسراً فأنزل الله سبحانه وتعالى (( وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطها كُلَّ البَسطِ )) . وقال جابر بن عبد الله : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعداً فيما بين أصحابه أتاه صبي فقال : يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعاً ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميصه فقال للصبي من ساعة إلى ساعة يظهر يعد وقتاً آخر فعاد إلى أمه فقالت له : إن أمي تستكسيك القميص الذي عليك فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً فأذن بلال للصلاة فانتظروه فلم يخرج فشغل قلوب الصحابة فدخل عليه بعضهم فرآه عرياناً فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية . قوله عز وجل (( وَقُل لِّعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ )) نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك أن رجلاً من العرب شتمه فأمره الله تعالى بالعفو . وقال الكلبي : كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل فشكو ذلك إلى رسول الله صلى الله . قوله تعالى (( وَما مَنَعَنا أَن نُّرسِلَ بِالآَياتِ )) أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا زاهر بن أحمد قال : أخبرنا أبو القاسم البغوي قال عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن جعفر بن ياسر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم وإن شئت نؤتهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم قال : لا بل أستأني بهم فأنزل الله عز وجل (( وَما مَنَعَنا أَن نُّرسِلَ بِالآَياتِ إِلّا أَن كَذَّبَ بِها الأَوَّلونَ )) . وروينا قول الزبير بن العوام في سبب نزول هذه الآية عند قوله (( وَلَو أَنَّ قُرآَناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ )) . قوله عز وجل (( وَالشَجَرَةَ المَلعونَةَ في القُرآَنِ )) أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الواعظ قال : أخبرنا محمد بن محمد الفقيه قال : أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال : حدثنا إسحاق بن عبد الله بن زريق قال : حدثنا حفص بن عبد الرحمن عن محمد بن إسحاق عن حكيم بن عباد بن حنيف عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : لما ذكر الله تعالى الزقوم خوف به هذا الحي من قريش فقال أبو جهل : هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد عليه الصلاة والسلام قالوا : لا قال : الثريد بالزبد أما والله لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقماً فأنزل الله تبارك وتعالى (( وَالشَجَرَةَ المَلعونَةَ في القُرآَنِ )) يقول المذمومة (( وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدَهُم إِلّا طُغياناً كَبيراً )) . قوله تعالى (( وَإِن كادُوا لَيَفتِنونَكَ عَنِ الَّذي أَوحَينا إِلَيكَ )) قال عطاء عن ابن عباس : نزلت في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا شططاً وقالوا : متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة شجرها وطيرها ووحشها فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبهم فأقبلوا يكثرون مسألتهم وقالوا : إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وداخلهم الطمع فصاح عليهم عمر : أما ترون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عن جوابكم كراهية لما تجيئون به وقد هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال سعيد بن جبير : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : لا نكف عنك إلا أن تلم بآلهتنا ولو بطرف أصابعك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما علي لو فعلت والله يعلم أني بار فأنزل الله تعالى هذه الآية (( وَإِن كادُوا لَيَفتِنونَكَ عَنِ الَّذي أَوحَينا إِلَيكَ )) إلى قوله (( نَصيراً )) . وقال قتادة : ذكر لنا أن قريشاً خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه فقالوا : إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس وأنت سيدنا يا سيدنا وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون ثم عصمه الله تعالى عن ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (( وَإِن كادُوا لَيستَفِزّونَكَ مِنَ الأَرضِ )) قال ابن عباس : حسدت اليهود مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقالوا : إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام فإن كنت نبياً فالحق بها فإنك إن خرجت إليها صدقناك وآمنا بك فوقع ذلك في قلبه لما يحب من الإسلام فرحل من المدينة على مرحلة فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال عثمان : إن اليهود أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن كنت صادقاً أنك نبي فالحق بالشام فإن الشام أرض المحشر والمنشر وأرض الأنبياء فصدق ما قالوا وغزا غزوة تبوك لا يريد بذلك إلا الشام فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى (( وَإِن كادُوا لِيَستَفِزّونَكَ مِنَ الأَرضِ )) . وقال مجاهد وقتادة والحسن : هم أهل مكة بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فأمره الله تعالى بالخروج وأنزل عليه هذه الآية إخباراً عما هموا به . قوله تعالى (( وَقُل رَّبِّ أَدخِلني مُدخَلَ صِدقٍ )) قال الحسن : إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبي صلى الله عليه وسلم ويخرجوه من مكة أراد الله تعالى بقاء أهل مكة وأمر نبيه أن يخرج مهاجراً إلى المدينة ونزل قوله تعالى (( وَقُل رَّبِّ أَدخِلني مُدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجني مُخرَجَ صِدقٍ )) . قوله تعالى (( وَيَسئَلونَكَ عَنِ الروحِ )) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي قال : أخبرنا محمد بن بشر بن العباس قال : أخبرنا أبو لبيد محمد بن أحمد بن بشر قال : حدثنا سويد عن سعيد قال : حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : إني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكيء على عسيب فمر بنا ناس من اليهود فقالوا : سلوه عن الروح فقال بعضهم : لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون فأتاه نفر منهم فقالوا : يا أبا القاسم ما تقول في الروح فسكت ثم ماج فأمسكت بيدي على جبهته فعرفت أنه ينزل عليه فأنزل الله عليه (( وَيَسئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبي وَما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلاً )) رواه البخاري ومسلم جميعاً عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش . وقال عكرمة عن ابن عباس : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل فقالوا : سلوه عن الروح فنزلت هذه الآية . وقال المفسرون : إن اليهود اجتمعوا فقالوا لقريش حين سألوهم عن شأن محمد وحاله : سلوا محمداً عن الروح وعن فتية فقدوا في أول الزمان وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها فإن أصاب في ذلك كله فليس بنبي وإن لم يجب في ذلك فليس نبياً وإن أجاب في بعض ذلك وأمسك عن بعضه فهو نبي فسألوه عنها فأنزل الله تعالى في شأن الفتية (( أَم حَسِبتَ أَن أَصحابَ الكَهفِ )) إلى آخر القصة ونزل في الروح قوله تعالى (( وَيَسئَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ )) . قوله تعالى (( وَقالوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعاً )) روى عكرمة عن ابن عباس أن عتبة وشيبة وأبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا على ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا به فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم سريعاً وهو يظن أنه بدا في أمره بداء وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه تعنتهم حتى جلس إليهم فقالوا : يا محمد إنا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت أن ما جئت به لتطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الرئى الذي يأتيك تراه قد غلب عليك وكانوا يسمون التابع من الجن الرئى بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله عز وجل بعثني إليكم رسولاً وأنزل علي كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم . قالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلاداً ولا أقل مالاً ولا أشد عيشاً منا سل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا ويبسط لنا بلادنا ويجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن ممن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخاً صدوقاً فنسألهم عما تقول حق هو فإن صنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله وأنه بعثك رسولاً كما تقول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله سبحانه بما بعثني به فقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوا فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه أصبر لأمر الله قالوا : فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكاً يصدقك وسله فيجعل لك جناناً وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك فإنك تقوم في الأسواق وتلتمس المعاش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت بهذا إليكم ولكن الله تعالى بعثني بشيراً ونذيراً . قالوا : فأسقط علينا كسفاً من السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فقال قائل منهم : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً وقال عبد الله بن أمية المخزومي وهو ابن عاتكة بنت عبد المطلب ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم : لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً وترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً بما فاته من متابعة قومه ولما رأى من مباعدتهم منه فأنزل الله تعالى (( وَقالُوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجَرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعاً )) . أخبرنا سعيد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال : حدثنا زياد بن أيوب قال : حدثنا هشام عن عبد الملك بن عمير عن سعيد بن جبير قال : قلت له قوله (( لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعاً )) أنزلت في عبد الله بن أبي أمية قال : زعموا ذلك . قوله تعالى (( قُلِ اِدعوا اللهَ أَو اِدعوا الرَحمَنَ )) قال ابن عباس : تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده : يا رحمن يا رحيم فقال المشركون : كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن ما نعرف الرحمن إلا رحمن وقال ميمون بن مهران : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب في أول ما يوحى إليه : باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية (( إِنَّهُ مِن سُلَيمانَ وَإِنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحيمِ )) فكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال مشركو العرب : هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال الضحاك : قال أهل التفسير : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله عز وجل (( وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها )) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال : حدثنا عبد الله بن مطيع وأحمد بن منيع قالا : حدثنا هشيم قال : حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى (( وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها )) قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة وكانوا إذا سمعوا القرآن سبوا القرآن ومَن أنزله ومَن جاء به فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (( وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ )) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن (( وَلا تُخافِت بِها )) عن أصحابك فلا يسمعون (( وَاِبتَغِ بَينَ ذَلِكَ سَبيلاً )) رواه البخاري عن مسدد ورواه مسلم عن عمرو الناقد كلاهما عن هشيم . وقالت عائشة رضي الله عنها : نزلت هذه الآية في التشهد كان الأعرابي يجهر فيقول : التحيات لله والصلوات الطيبات يرفع بها صوته فنزلت هذه الآية . وقال عبد الله بن شداد : كان أعراب بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قالوا : اللهم ارزقنا مالاً وولداً ويجهرون فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو علي الفقيه قال : أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن حرب قال : حدثنا مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى (( وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها )) قالت : إنها نزلت في الدعاء . |
سورة الكهف قوله تعالى (( وَاِصبِر نَفسَكَ )) حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري إملاء في دار السنة يوم الجمعة بعد الصلاة في شهور سنة عشر وأربعمائة قال : أخبرنا أبو الحسن بن عيسى بن عبد ربه الحيري قال : حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي قال : حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحراني قال : حدثنا سليمان بن عطاء الحراني عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني عن سلمان الفارسي قال : جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا : يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك فأنزل الله تعالى (( وَاِتلُ ما أَوحِيَ إِلَيكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلتَحَداً وَاِصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ )) حَتّى بلغ (( إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ ناراً )) يتهددهم بالنار فقام النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال : الحمد الله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات . قوله تعالى (( وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا )) أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : حدثنا أبو يحيى الرازي قال : حدثنا سهل بن عثمان قال : حدثنا أبو مالك عن جوهر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى (( وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا )) قال : نزلت في أمية بن خلف الجمحي وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه من تحرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله تعالى (( وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا )) . قوله تعالى (( وَيَسئَلُونَكَ عَن ذي القَرنَينِ )) قال قتادة : إن اليهود سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (( قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي )) قال ابن عباس : قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً كيف وقد أوتينا التوراة ومَن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً فنزلت (( قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي )) . قوله تعالى (( فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ )) قال ابن عباس : نزلت في جندب بن زهير الغامدي وذلك أنه قال : إني أعمل العمل لله فإذا اطلع عليه سرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ولا يقبل ما روئي فيه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال طاوس : قال رجل : يا نبي الله إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يرى مكاني فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مجاهد : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً صالحاً فأنزل الله تعالى (( فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )) . |
سورة مريم قوله عز وجل (( وَما نَتَنَزَّلُ إِلّا بِأَمرِ رَبِّكَ )) أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن حمويه قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن معمر الشامي قال : أخبرنا إسحاق بن محمد بن إسحاق الرسغي قال : حدثني جدي قال : حدثنا المغيرة قال : حدثنا عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا قال : فنزلت (( وَما نَتَنَزَّلُ إِلّا بِأَمرِ رَبِّكَ )) الآية كلها . قال : كان هذا الجواب لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري عن أبي نعيم عن ذر . وقال مجاهد : أبطأ الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه فقال لعلي : أبطأت قال : قد فعلت قال : ولم لا أفعل وأنتم لا تتسوكون ولا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم قال : وما نتنزل إلا بأمر ربك قال مجاهد : فنزلت هذه الآية . وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي : احتبس جبريل عليه السلام حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فلم يدر ما يجيبهم ورجا أن يأتيه جبريل عليه السلام بجواب فسألوه فأبطأ عليه فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة فلما نزل جبريل عليه السلام قال له أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال جبريل عليه السلام: إني كنت إليك أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فأنزل قوله تعالى (( وَيَقولُ الِإنسانُ أَئِذا ما مِتُّ لَسَوفَ أُخرَجُ حَيّاً )) . قال الكلبي : نزلت في أبي بن خلف حين أخذ عظاماً بالية يفتها بيده ويقول : زعم لكم محمد أنا نبعث بعد ما نموت . قوله تعالى (( أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآَياتِنا )) أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال : أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب بن الأرت قال : كان لي دين على العاص بن وائل فأتيته أتقاضاه فقال : لا والله حتى تكفر بمحمد قلت : لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث قال : إني إذا مت ثم بعثت جئتني وسيكون لي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال : أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد قال : أخبرنا البغوي قال : حدثنا أبو خيثمة وعلي بن مسلم قالا : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب قال : كنت رجلاً قيناً وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال : لا أقضيك حتى تكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام فقلت : لا أكفر حتى تموت وتبعث فقال : وإني لمبعوث بعد الموت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مالي قال : فنزلت فيه (( أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً )) رواه البخاري عن الحميدي عن سفيان . وقال الكلبي ومقاتل : كان خباب بن الأرث قيناً وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي وكان العاص يؤخر حقه فأتاه يتقاضاه فقال العاص : ما عندي اليوم ما أقضيك فقال: لست بمفارقك حتى تقضيني فقال العاص : يا خباب مالك ما كنت هكذا وإن كنت لتحسن الطلب فقال خباب : ذاك أني كنت على دينك فأما اليوم فأنا على الإسلام مفارق لدينك قال : أولستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً قال خباب: بلى قال : فأخرني حتى أقضيك في الجنة استهزاء فوالله لئن كان ما تقول حقاً إني لأفضل فيها نصيباً منك فأنزل الله تعالى (( أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآياتِنا )) يعني العاص . |
سورة طه قوله عز وجل (( طَهَ ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآَنَ لِتَشقى )) قال مقاتل : قال : أبو جهل والنضر بن الحرث للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك لتشقى بترك ديننا وذلك لما رأياه من طول عبادته واجتهاده فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : أخبرنا أبو يحيى قال : حدثنا العسكري قال : حدثنا أبو مالك عن جرير عن الضحاك قال : لما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا فقال كفار قريش : ما أنزل الله تعالى هذا القرآن على محمد عليه الصلاة والسلام إلا ليشقى به فأنزل الله تعالى (( طَهَ )) يقول : يا رجل (( ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى )) . قوله تعالى (( وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ )) أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال : أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا روح عن موسى بن عبيدة الزبدي قال : أخبرني يزيد بن عبد الله بن فضيل عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضيفاً نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعاماً يقول لك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزل بنا ضيف ولم يلق عندنا بعض الذي نصلحه فبعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب فقال اليهودي : لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن قال : فرجعت إليه فأخبرته قال : والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه اذهب بدرعي ونزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا (( وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى ما مَتَعنا بِهِ أَزواجاً مِنهُم )) . |
سورة الأنبياء قوله تعالى (( إِنَّ الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِّنّا الحُسنى )) أخبرنا عمر بن أحمد بن عمر الأوردي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد نصير الرازي قال : أخبرنا محمد بن أيوب قال : أخبرنا علي بن المديني قال : أخبرنا يحيى بن نوح قال : أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عاصم قال : أخبرني أبو زرين عن يحيى عن ابن عباس قال : آية لا يسألني الناس عنها لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها أو جهلوها فلا يسألون عنها قال : وما هي قال : لما نزلت (( إِنَكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَها وَارِدونَ )) شق على قريش فقالوا : أيشتم آلهتنا فجاء ابن الزبعري فقال : ما لكم قالوا يشتم آلهتنا قال فما قال قالوا قال : (( إِنَكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَها وارِدونَ )) قال : ادعوه لي فلما دعي النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله قال : بل لكل من عبد من دون الله فقال ابن الزبعري : خصمت ورب هذه البنية يعني الكعبة ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة وهذه النصارى يعبدون عيسى عليه السلام وهذه اليهود يعبدون عزيراً قال : فصاح أهل مكة فأنزل الله تعالى (( إِنَّ الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِّنّا الحُسنى )) الملائكة وعيسى وعزير عليهم السلام (( أُولَئِكَ عَنها مُّبعَدونَ )) . |
سورة الحج قوله تعالى (( وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلى حَرفٍ )) قال المفسرون : نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرين من باديتهم وكان أحدهم إذا قدم المدينة فإن صح بها ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً وكثر ماله وماشيته أمن به واطمأن وقال : ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيراً وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه وذهب ماله وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شراً فينقلب عن دينه فأنزل الله تعالى (( وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلى حَرفٍ )) . وروى عطية عن أبي سعيد الخدري قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده وتشاءم بالإسلام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقلني فقال : إن الإسلام لا يقال فقال : إني لم أصب في ديني هذا خيراً أذهب بصري ومالي وولدي فقال : يا يهودي إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب قال : ونزلت (( وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلى حَرفٍ )) . قوله تعالى (( هَذانِ خَصمَانِ اِختَصَموا في رَبِّهِم )) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي قال : أخبرنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف قال : أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي قال : أخبرنا عمر بن مرزوق قال : أخبرنا شعبة عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عبادة قال : سمعت أبا ذر يقول : أقسم بالله لنزلت ((هَذانِ خَصمَانِ اِختَصَموا في رَبِّهِم )) في هؤلاء الستة حمزة وعبيد وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة والوليد بن ربيعة رواه البخاري عن حجاج بن منهال عن هشيم بن هاشم . أخبرنا أبو بكر الحرث قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : أخبرنا محمد بن سليمان قال : أخبرنا هلال بن بشر قال : أخبرنا يوسف بن يعقوب قال : أخبرنا سليم التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن علي قال : فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر (( هَذانِ خَصمانِ اِختَصَموا )) إلى قوله (( الحَريقِِ )) . قال ابن عباس : هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله منكم وأقدم منكم كتاباً ونبينا قبل نبيكم . وقال المؤمنون نحن أحق بالله آمنا بمحمد عليه الصلاة والسلام وآمنا بنبيكم وبما أنزل من كتاب فأنتم تعرفون نبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً وكانت هذه خصومتهم فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية وهذا قول قتادة . قوله تعالى (( أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأَنَّهُم ظُلِموا )) قال المفسرون كان مشركوا أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون يجيئون من مضروب ومشجوج فشكوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم : اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال ابن عباس : لما أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر رضي الله : إنا لله لنهلكن فأنزل الله تعالى (( أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ )) قال أبو بكر : فعرفت أنه سيكون قتال . قوله تعالى (( وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَّسولٍ وَلا نَبِيٍّ )) قال المفسرون : لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب به بينه وبين قومه وذلك لحرصه على إيمانهم فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله وأحب يومئذ أن يأتيه من الله تعالى شيء ينفر عنه وتمنى ذلك فأنزل الله تعالى (( وَالنَجمِ إِذا هَوى )) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ (( أَفَرَأَيتُمُ اللّاتَ وَالعُزّى وَمَناتَ الثالِثَةَ الأُخرى )) ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه وتمناه : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع مَن في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود . وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا : قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر وقالوا : قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق لكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإن جعل لها محمداً نصيباً فنحن معه فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام فقال : ماذا صنعت ! تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله سبحانه وتعالى وقلت ما لم أقل لك فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً كبيراً فأنزل الله تعالى هذه الآية فقالت قريش : ندم محمد عليه الصلاة والسلام على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فازدادوا شراً إلى ما كانوا عليه . أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو بكر بن حيان قال : أخبرنا أبو يحيى الرازي قال : أخبرنا سهل العسكري قال : أخبرنا يحيى عن عثمان بن الأسود عن سعيد بن جبير قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أَفَرَأَيتُمُ اللّاتَ وَالعُزَّى وَمَناتَ الثالِثَةَ الأُخرى )) فألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترتجى ففرح بذلك المشركون وقالوا : قد ذكر آلهتنا فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اعرض علي كلام الله فلما عرض عليه فقال : أما هذا فلم آتك به هذا من الشيطان فأنزل الله تعالى (( وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِنرَّسولٍ وَلا نَبِيٍّ )) . |
سورة المؤمنون قوله عز وجل (( قَد أَفلَحَ المُؤمِنونَ )) أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري إملاء قال : أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال : أخبرنا محمد بن حماد الأبيوردي قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا يونس بن سليمان قال : أملى يونس الإيلي عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : كان إذا أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا ثم قال : لقد أنزلت علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ (( قَد أَفلَحَ المُؤمِنونَ )) إلى عشر آيات رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر القطيعي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن عبد الرزاق . قوله عز وجل (( الَّذينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعونَ )) أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن نعيم قال : حدثني أحمد بن يعقوب الثقفي قال : أخبرنا أبو شعيب الحراني قال : أخبرنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزل (( الَّذينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعونَ )) . قوله تعالى(( فَتَبارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخالِقينَ )) أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الحافظ قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن حيان قال : أخبرنا محمد بن سليمان قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف قال : أخبرنا أبو داود عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وافقت ربي في أربع قلت : يا رسول الله لو صلينا خلف المقام فأنزل الله تعالى (( وَاِتَّخِذوا مِن مَّقامِ إِبراهيمَ مُصَلّى )) وقلت : يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجاباً فإنه يدخل عليك البر والفاجر فأنزل الله تعالى (( وَإِذا سَأَلتُموهُنَّ مَتاعاً فاسأَلُوهُنَّ مِن وَراءِ حِجابٍ )) وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتنتهن أو ليبدلنه الله سبحانه أزواجاً خيراً منكن فأنزل الله (( عَسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبدِلَهُ أَزواجاً خَيراً مِّنكُنَّ )) ونزلت (( وَلَقَد خَلَقنا الإِنسانَ مِّن سُلالَةٍ مِّن طينٍ )) إلى قوله تعالى (( ثُمَّ أَنشَأناهُ خَلقاً آَخَرَ )) فقلت : (( فَتَبارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخالِقينَ )) . قوله تعالى (( وَلَقَد أَخَذناهُم بِالعَذابِ فَما اِستَكانوا لِرَبِّهِم )) أخبرنا أبو القاسم بن عبدان قال : أخبرنا محمد بن عبيد الله بن محمد الضني قال : أخبرنا أبو العباس السياري قال : أخبرنا محمد بن موسى بن حاتم قال : أخبرنا علي بن الحسن بن شقيق قال : أخبرنا الحسين بن واقد قال : حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال : جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ننشدك الله والرحم لقد أكلنا العلهز يعني الوبر بالدم فأنزل الله تعالى (( وَلَقَد أَخَذناهُم بِالعَذابِ فَما اِستَكانوا لِرَبِّهِم وَما يَتَضَرَعونَ )) قال ابن عباس : لما أتى ثمامة بن أثال الحنفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو أسير فخلي سبيله فلحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من يمامة وأخذ الله تعالى قريشاً بسني الجدب حتى أكلوا العلهز فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أنشدك الله والرحم إنك تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال : بلى فقال : قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فأنزل الله تعالى هذه الآية . |
سورة النور قوله عز وجل (( الزاني لا يَنكِحُ إِلّا زانِيَةً أَو مُشرِكَةً )) قال المفسرون : قدم المهاجرون إلى المدينة وفيهم فقراء ليست لهم أموال وبالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة فرغب في كسبهن ناس من فقراء المهاجرين فقالوا : لو أنا تزوجنا منهن فعشنا معهن إلى أن يغنينا الله تعالى عنهن فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فنزلت هذه الآية وحرم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤمنين عن ذلك . وقال عكرمة : نزلت الآية في نساء بغايا متعالجات بمكة والمدينة وكن كثيرات ومنهن تسع صواحب رايات لهن رايات كرايات البيطار يعرفونها : أم مهدون جارية السائب بن أبي السائب المخزومي وأم غليظ جارية صفوان بن أمية وحية القبطية جارية العاص بن وائل ومرية جارية ابن مالك بن عمثلة بن السباق وجلالة جارية سهيل بن عمرو وأم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي وشريفة جارية زمعة بن الأسود وقرينة جارية هشام بن ربيعة وفرتنا جارية هلال بن أنس وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية المواخير لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ليتخذوهن مأكلة فأنزل الله تعالى هذه الآية ونهى المؤمنين عن ذلك وحرمه عليهم . أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزاز قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال : أخبرنا ابن الحسن بن عبد الجبار قال : أخبرنا إبراهيم بن عروة بن معتم عن أبيه عن الحضرمي عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن امرأة يقال لها أم مهدون كانت تسافح وكانت تشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة وأن رجلاً من المسلمين أراد أن يتزوجها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (( الزَانيةُ لا يَنكِحُها إِلّا زانً )) . قوله تعالى (( وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم )) أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن المؤذن قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري قال : أخبرنا الحسن بن سفيان قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : أخبرنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت (( وَالَّذينَ يَرمونَ المُحصَناتِ ثُمَّ لَم يَأَتوا بِأَربَعَةِ شُهَداءَ )) إلى قوله تعالى (( الفاسِقونَ )) قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار : أهكذا أنزلت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تسمعون يا معشر الأنصار إلى ما يقول سيدكم قالوا : يا رسول الله إنه رجل غيور والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً وما امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته . فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من عند الله ولكن قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته فما لبثوا إلا يسيراً حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشياً فوجد عند أهله رجلاً فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح وغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله فقال إني جئت أهلي عشياً فوجدت عندها رجلاً فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه فقال سعد بن عبادة : الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في المسلمين فقال هلال : إني والله لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً فقال هلال : يا رسول الله إني قد أرى ما قد اشتد عليك مما جئتك به والله يعلم إني لصادق فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل الوحي وكان إذا نزل عليه عرفوا ذلك في تربد جلده فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزلت (( وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم وَلَم يَكُن لَهُم شُهَداءَ إِلا أَنفُسَهُم )) الآيات كلها فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً فقال هلال : قد كنت أرجو ذاك من ربي وذكر باقي الحديث . أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد الفقيه قال : أخبرنا محمد بن محمد بن سنان المقري قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : أخبرنا أبو خيثمة قال : أخبرنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : أنا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار فقال : لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فإن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال : اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان (( وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم وَلَم يَكُن لَّهُم شُهَداءَ إِلّا أَنفُسُهُم )) . فابتلي به الرجل من بين الناس فجاَء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فذهبت لتلتعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه فلعنت فلما أدبرت قال : لعلها أن تجيء به أسوداً جعداً فجاءت به أسود جعداً رواه مسلم عن أبي خيثمة . قوله تعالى (( إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم )) أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن علي المقري قال : أخبرنا أبو يعلى قال : أخبرنا أبو الوسيع الزهراني قال : أخبرنا فليح بن سليمان المدني عن الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله تعالى منه . قال الزهري : وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأتيت اقتصاصاً ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني وبعض حديثهم يصدق بعضاً ذكروا أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه قالت عائشة رضي الله عنها : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة أذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه . قالت عائشة : وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني . فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطيء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة وهلك من هلك في وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول : كيف تيكم فذلك يحزنني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها . فقالت : تعس مسطح فقلت لها : بئسما قلت أتسبين رجلاً قد شهد بدراً قالت : أي هنتاه أولم تسمعي ما قال قلت : وماذا قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : كيف تيكم قلت : تأذن لي أن آتي أبوي قالت : وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت : يا أماه ما يتحدث الناس قالت : يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت : فقلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة بن زيد فأَشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال : يا رسول الله هم أهلك وما نعلم إلا خيراً وأما علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال : يا بريرة هل رأيت شيئاً يريبك من عائشة قالت بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقالت : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال وهو على المنبر : يا معشر المسلمين مَن يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قال : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية . فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر قتله فقام أسيد بن الحضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه إنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان من الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها وجلست تبكي معي قالت : فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء . قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال . قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت لأمي : أجيبي رسول الله فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن : والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال أبو يوسف (( فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ )) قالت : ثم تحولت واضطجعت على فراشي قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى في بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية يبرئني الله تعالى بها قالت : فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها أن قال : البشرى يا عائشة أما والله لقد برأك الله فقالت لي أمي : قومي إليه فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله سبحانه تعالى هو الذي برأني قالت : فأنزل الله سبحانه وتعالى (( إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالِإفكِ عُصبَةٌ مِنكُم )) العشر آيات . فلما أنزل الله تعالى هذه الآية في براءتي قال الصديق وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله تعالى (( وَلا يَأَتَلِ أُولُوا الفَضلِ مِنكُم وَالسِعَةِ أَن يُؤتوا أُولي القُربى )) إلى قوله (( أَلا تُحِبّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم )) فقال أبو بكر : والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كانت عليه وقال : لا أنزعها منه أبداً رواه البخاري ومسلم كلاهما عن أبي الربيع الزهراني . قوله تعالى (( وَلَولا إِذ سَمِعتُمُوهُ قُلتُم مّا يَكونُ لَنا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذا )) أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال : أخبرنا أبو بكر بن زكريا قال : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال : أخبرنا الهيثم بن خارجة قال : أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : سمعت عطاء الخراساني عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها حدثته بحديث الإفك وقالت له : وكان أبو أيوب الأنصاري حين أخبرته امرأته وقالت : يا أبا أيوب ألم تسمع بما تحدث الناس قال : وما يتحدثون فأخبرته بقول أهل الإفك فقال : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم قالت : فأنزل الله عز وجل (( وَلَولا إِذ سَمِعتُموهُ قُلتُم مّا يَكونُ لَنا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذا سُبحانَكَ هَذا بُهتانٌ عَظيمٌ )) . أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقال : هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك فقالت : دعني من ابن عباس ومَن تزكيته فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن : إنه قاريء لكتاب الله عز وجل فقيه في دين الله سبحانه فأذني له فليسلم عليك وليودعك فقالت : فأذن له إن شئت فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس فقال : البشرى يا أم المؤمنين ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب أو قال وصب فتلقي الأحبة محمداً عليه الصلاة والسلام وحزبه أو قال وأصحابه إلا أن يفارق الروح جسده كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن يحب إلا طيباً فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سموات فليس في الأرض مسجد إلا وهو يتلى فيه آناء الليل والنهار وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها أو قال طلبها حتى أصبح الناس على غير ماء فأنزل الله تعالى (( فَتَيَمَموا صَعيداً )) فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك فوالله إنك لمباركة فقالت : دعني يا ابن عباس من هذا فوالله لوددت أني كنت نسياً منسياً . قوله تعالى (( يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ بُيوتِكُم )) أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال : أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري قال : أخبرنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : أخبرنا الحسين بن سحتويه قال : أخبرنا عمرة بن ثور وإبراهيم بن سفيان قالا : حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : حدثنا قيس عن أشعث بن سوار عن ابن ثابت قال : جاءت امرأة من الأنصار فقالت : يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد لا والد ولا ولد فيأتي الأب فيدخل علي وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع فنزلت هذه الآية (( لا تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ بُيوتِكُم حَتّى تَستَأنِسوا وَتُسَلِموا عَلى أَهلِها )) . قال المفسرون : فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن فأنزل الله تعالى (( لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ مَسكونَةٍ )) . قوله تعالى (( وَالَّذينَ يَبتَغونَ الكِتابِ مِمّا مَلَكَت أَيمانُكُم فَكاتِبوهُم )) نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية وكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها ديناراً فأداها وقتل يوم حنين في الحرب . قوله تعالى (( وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ )) أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي قال : أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال : أخبرنا محمد بن حمدان قال : أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له : اذهبي فابغينا شيئاً فأنزل الله عز وجل (( وَلا تُكرِهوا فَتياتِكُم عَلى البِغاءِ )) إلى قوله (( غَفورٌ رَّحيمٌ )) رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي معاوية . أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال : أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال : أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عمر بن ثابت أن هذه الآية (( وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ )) نزلت في معاذة جارية عبد الله بن أبي ابن سلول . وبهذا الإسناد عن محمد بن يحيى قال : أخبرنا عباس بن الوليد قال : أخبرنا عبد الأعلى قال : أخبرنا أحمد بن إسحاق قال : حدثني الزهري عن عمر بن ثابت قال : كانت معاذة جارية لعبد الله بن أبي وكانت مسلمة وكان يستكرهها على البغاء فأنزل الله تعالى (( وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ )) إلى آخر الآية . أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال : أخبرنا أبو علي الفقيه قال : أخبرنا أبو القاسم البغوي قال : أخبرنا داود بن عمرو قال : أخبرنا منصور بن الأسود عن الأعمش عن أبي نضرة عن جابر قال : كان لعبد الله بن أبي جارية يقال لها مسيكة فكان يكرهها على البغاء فأنزل الله عز وجل (( وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ )) إلى آخر الآية . وقال المفسرون : نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أبي المنافق كان يكرههما على الزنا لضريبة يأخذها منهما وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرون إماءهم فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة : إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين فإن يك خيراً فقد استكثرنا منه وإن يك شراً فقد آن لنا أن ندعه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مقاتل نزلت في ست جوار لعبد الله بن أبي كان يكرههن على الزنا ويأخذ أجورهن وهن : معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة فجاءت إحداهن ذات يوم بدينار وجاءت أخرى بدونه فقال لهما ارجعا فازنيا فقالتا والله لا نفعل قد جاءنا الله بالإسلام وحرم الزنا أخبرنا الحاكم أبو عمرو محمد بن عبد العزيز فيما كتب إلي أن أحمد بن الفضل الحواري أخبرهم عن محمد بن يحيى قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري أن رجلاً من قريش أسر يوم بدر وكان عند عبد الله بن أبي أسيراً وكانت لعبد الله جارية يقال لها معاذة وكان القرشي الأسير يراودها عن نفسها وكانت تمتنع منه لإسلامها وكان ابن أبي يكرهها على ذلك ويضربها لأجل أن تحمل من القرشي فيطلب فداء ولده فقال الله تعالى (( وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ إِن أَردنَ تَحَصُّناً )) إلى قوله (( غَفورٌ رَّحيمٌ )) قال أغفر لهن ما أكرهن عليه . قوله تعالى (( وَإِذا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسولِهِ )) قال المفسرون : هذه الآية والتي بعدها في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ويقول : إن محمداً يحيف علينا وقد مضت هذه القصة عند قوله (( يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ )) في سورة النساء . قوله تعالى (( وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ )) روى الربيع بن أنس عن أبي العالية في هذه الآية قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعد ما أوحى الله إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون إلى الله سبحانه سراً وعلانية ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا بها خائفين يصبحون في السلاح ويمسون في السلاح فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن تلبثوا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محبياً ليست فيهم حديدة وأنزل الله تعالى (( وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ )) إلى آخر الآية ، فأظهر الله تعالى نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا ثم قبض الله تعالى نبيه فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا النعمة فأدخل الله عليهم الخوف وغيروا فغير الله بهم . أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال : أخبرنا جدي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن النصر اباذي قال : أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي قال : أخبرنا علي بن الحسين بن واقد قال : أخبرنا أبي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال : لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحد فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا في لأمتهم فقالوا : ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل فأنزل الله تعالى لنبيه (( وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ )) إلى قوله (( وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُلَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ )) يعني بالنعمة رواه الحاكم في صحيحه . قوله تعالى (( يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لِيَستَأذِنَكُمُ الَّذينَ مَلَكَت أَيمانُكُم )) قال ابن عباس : وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك فقال : يا رسول الله وددت لو أن الله تعالى أمرنا ونهانا في حال الاستئذان فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مقاتل : نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية . قوله تعالى (( لَيسَ عَلى الأَعمى حَرَجٌ )) قال ابن عباس : لما أنزل الله تبارك وتعالى (( لا تَأَكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ )) تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعرج وقالوا : الطعام أفضل الأموال وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والمريض لا يستوفي الطعام فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال سعيد بن جبير والضحاك : كان العرجان والعميان يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء لأن الناس يتقذرونهم ويكرهون مؤاكلتهم وكان أهل المدينة لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا أعرج ولا مريض تقذراً فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مجاهد : نزلت هذه الآية ترخيصاً للمرضى والزمنى في الأكل من بيوت من سمى الله تعالى في هذه الآية وذلك أن قوماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمونهم ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله تعالى في هذه الآية ، وكان أهل الزمانة يتحرجون من أن يطعموا ذلك الطعام لأنه أطعمهم غير مالكيه ويقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال : أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في هذه الآية : أنزلت في أناس كانوا إذا خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون : نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (( لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَأكُلوا جَميعاً أَو أَشتاتاً )) قال قتادة والضحاك : نزلت في حي من كنانة يقال لهم بنو ليث بن عمرو وكانوا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح والشول حفل والأحوال منتظمة تحرجاً من أن وقال عكرمة : نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا جميعاً متحلقين أو أشتاتاً متفرقين . |
سورة الفرقان قوله تعالى (( تَبارَكَ الَّذي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيراً مِّن ذَلِكَ )) أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال : أخبرنا أحمد بن أبي الفرات قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن يعقوب البخاري قال : أخبرنا محمد بن حميد بن فرقد قال : أخبرنا إسحاق بن بشر قال : أخبرنا جوهر عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة قالوا : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام من عند ربه معزياً له فقال : السلام عليك يا رسول الله رب العزة يقرئك السلام ويقول لك (( وَما أَرسَلنا قَبلَكَ مِنَ المُرسَلينَ إِلا إِنَّهُم لَيَأكُلونَ الطَعامَ وَيَمشونَ في الأَسواقِ )) أي يبتغون المعاش في الدنيا . قال : فبينا جبريل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم يتحدثان إذ ذاب جبريل عليه السلام حتى صار مثل الهدرة قيل : يا رسول الله وما الهدرة قال : العدسة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك ذبت حتى صرت مثل الهدرة قال : يا محمد فتح باب من أبواب السماء ولم يكن فتح قبل ذلك اليوم وإني أخاف أن يعذب قومك عند تعييرهم إياك بالفاقة وأقبل النبي وجبريل عليهما السلام يبكيان إذ عاد جبريل عليه السلام إلى حاله فقال : أبشر يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك فأقبل رضوان حتى سلم ثم قال : يا محمد رب العزة يقرئك السلام ومعه سفط من نور يتلألأ ويقول لك ربك : هذه مفاتيح خزائن الدنيا مع مالا ينتقص لك مما عنده في الآخرة مثل جناح بعوضة فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير به فضرب جبريل بيده إلى الأرض فقال : تواضع لله فقال : يا رضوان لا حاجة لي فيها الفقر أحب إلي وأن أكون عبداً صابراً شكوراً فقال رضوان عليه السلام : أصبت أصاب الله بك وجاء نداء من السماء فرفع جبريل عليه السلام رأسه فإذا السموات قد فتحت أبوابها إلى العرش وأوحى الله تعالى إلى جنة عدن أن تدلي غصناً من أغصانها عليه عذق عليه غرفة من زبر جدة خضراء لها سبعون ألف باب من ياقوتة حمراء فقال جبريل عليه السلام : يا محمد ارفع بصرك فرفع فرأى منازل الأنبياء وغرفهم فإذا منازله فوق منازل الأنبياء فضلاً له خاصة ومناد ينادي : أرضيت يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم : رضيت فاجعل ما أردت أن تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة . قوله تعالى (( وَيومَ يَعَضُّ الظالِمُ عَلى يَدَيهِ )) قال ابن عباس في رواية عطاء الخراساني : كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم ويجالسه ويستمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك فنزلت هذه الآية . وقال الشعبي : وكان عقبة خليلاً لأمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً عليه الصلاة والسلام وكفر وارتد لرضا أمية فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية . وقال آخرون : إن أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط كانا متحالفين وكان عقبة لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاماً فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فلما قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه وكان أبي بن خلف غائباً فلما أخبر بقصته قال : صبأت يا عقبة فقال : والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت فطعم فقال أبي : ما أنا بالذي رضي منك أبداً إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ عنقه ففعل ذلك عقبة فأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فقتل عقبة يوم بدر صبراً وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد في المبارزة فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية . وقال الضحاك : لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه فتشعب شعبتين فأحرق خديه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت . قوله تعالى (( وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ )) إلى آخر الآيات أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال : أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال : أخبرنا المؤمل بن الحسن بن عيسى قال : أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال : أخبرنا حجاج عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير سمعه يحدث عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً عليه الصلاة والسلام فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أنا لما عملنا كفارة فنزلت (( وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ )) إلى قوله (( غَفوراً رَّحيماً )) رواه مسلم عن إبراهيم بن دينار عن حجاج . أخبرنا محمد بن إبراهيم بن حجي قال : أخبرنا والدي قال : أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال : أخبرنا إبراهيم الحنظلي ومحمد بن صباح قالا : حدثنا جرير عن منصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن أبي ميسرة عن عبد الله بن مسعود قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال : قلت ثم أي قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال : قلت ثم أي قال : أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديقاً لذلك (( وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ وَلا يَقتُلونَ النَفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ وَلا يَزنونَ )) رواه البخاري ومسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير . أخبرنا أبو بكر بن الحرث قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : أخبرنا إسماعيل بن إسحاق قال : أخبرنا الحرث بن الزبير قال : أخبرنا أبو راشد مولى المهرس عن سعد بن سالم القداح عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : أتى وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أتيتك مستجيراً فأجرني حتى أسمع كلام الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد كنت أحب أن أراك على غير جوار فأما إذ أتيتني مستجيراً فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله قال : فإني أشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله تعالى وزنيت هل يقبل الله مني توبة فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل (( وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ وَلا يَقتُلونَ النَفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ وَلا يَزنونَ )) إلى آخر الآية فتلاها عليه فقال : أرى شرطاً فلعلي لا أعمل صالحاً أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت (( إِنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذَلِكَ لَمَن يَشاءُ )) فدعا به فتلاها عليه فقال : ولعلي ممَن لا يشاء أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت (( قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَّحمَةِ اللهِ )) فقال : الآن لا أرى شرطاً فأسلم . |
سورة القصص قوله تعالى (( إِنَّكَ لا تَهدي مَن أَحبَبتَ )) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن خمرويه قال : أخبرنا علي بن محمد الخزاعي قال : أخبرنا أبو اليمان الحكم بن رافع قال : أخبرني شعيب عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله سبحانه وتعالى فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعاودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به : أنا على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز وجل (( ما كانَ لِلنَبِيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ وَلو كانوا أُولي قُربى )) وأنزل في أبي طالب (( إِنَّكَ لا تَهدي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدي مَن يَشاءُ )) رواه البخاري عن أبي اليمان ورواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس عن الزهري . أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : أخبرنا الحسن بن محمد بن علي الشيباني قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال : أخبرنا أبو عبد الرحمن بن بشر قال : أخبرنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان قال : حدثني أبو حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة قال : لولا أن تعيرني نساء قريش يقلن أنه حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله تعالى (( إِنَّكَ لا تَهدي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدي مَن يَشاءُ )) رواه مسلم عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد قال : سمعت أبا عثمان الحيري يقول : سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول : سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول في هذه الآية : أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب . قوله تعالى (( وَقالوا إِن نَّتَّبِعُ الهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفُ مِن أَرضِنا )) نزلت في الحرث بن عثمان بن عبد مناف وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لنعلم أن الذي تقول حق ولكن يمنعنا من اتباعك أن العرب تخطفنا من أرضنا لإجماعهم على خلافنا ولا طاقة لنا بهم فأنزل الله تعالى قوله تعالى (( أَفَمَن وَعَدناهُ وَعداً حَسناً فَهو لاقيهِ )) أخبرنا أبو بكر الحرث قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : أخبرنا محمد بن سليمان قال : أخبرنا عبد الله بن حازم الأبلي قال : أخبرنا بلال بن المحبر قال : أخبرنا شعبة عن أبان عن مجاهد في هذه الآية قال : نزلت في علي وحمزة وأبي جهل . وقال السدي : نزلت في عمار والوليد بن المغيرة وقيل : نزلت النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل . قوله تعالى (( وَرَبُّكَ يَخلُقُ ما يَشاءُ وَيَختارُ )) قال أهل التفسير : نزلت جواباً للوليد بن المغيرة حين قال فيما أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختياره . |
سورة العنكبوت قوله تعالى (( الَمَ أَحَسِبَ الناسُ )) قال الشعبي : نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة أنه لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فآذوهم فنزلت فيهم هذه الآية وكتبوا إليهم أن قد نزلت فيكم آية كذا وكذا فقالوا : نخرج فإن اتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم مَن قتل ومنهم مَن نجا فأنزل الله تعالى فيهم (( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا )) . وقال مقاتل : نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سيد الشهداء مهجع وهو أول مَن يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة فجزع عليه أبواه وامرأته فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية وأخبر أنه لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى . قوله تعالى (( وَمِن الناسِ مَن يَقولُ آَمَنّا بِاللهِ )) قال مجاهد : نزلت في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الله ومصيبة في أنفسهم افتتنوا . وقال الضحاك : نزلت في أناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك . وقال عكرمة عن ابن عباس : نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون عن الدين فارتدوهم والذين نزلت فيهم (( إِنَّ الَّذينَ تَوََفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم )) . |
سورة الروم قوله تعالى (( الَمَ غُلِبَتِ الرُومُ )) قال المفسرون : بعث كسرى جيشاً إلى الروم واستعمل عليهم رجلاً يسمى شهريران فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم وكان قيصر بعث رجلاً يدعى يحنس فالتقى مع شهريران بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب فغلب فارس الروم وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة فشق ذلك عليهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم وفرح كفار مكة وشمتوا فلقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى (( الَمَ غُلِبَتِ الرُومُ في أَدنى الأَرضِ )) إلى آخر الآيات . أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن حامد العطار قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار قال : أخبرنا الحرث بن شريح قال : أخبرنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب المؤمنون بظهور الروم على فارس . |
سورة لقمان قوله تعالى (( وَوَصَّينا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ حُسناً )) قال المفسرون : نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وذلك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة : يا سعد بلغني أنك صبوت فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام وترجع إلى ما كنت عليه وكان أحب ولدها إليها فأبى سعد فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل بظل حتى خشي عليها فأتى سعد النبي صلى الله عليه وسلم وشكا ذلك إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف . أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال : أخبرنا أبو يعلى قال : أخبرنا أبو خيثمة قال : أخبرنا الحسن بن موسى قال : أخبرنا زهير قال : أخبرنا سماك بن حرب قال : حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال : نزلت هذه الآية في قال : حلفت أم سعد لا تكلم أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب ومكثت ثلاثة أيام حتى غشي عليها من الجهد فأنزل الله تعالى (( وَوَصَّينا الإِنسانَ بِوَالِدَيهِ حُسناً )) رواه مسلم عن أبي خيثمة . قوله تعالى (( وَإِن جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي )) أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحافظ قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو يعلى قال : أخبرنا أحمد بن أيوب بن راشد الضبي قال : أخبرنا مسلمة بن علقمة قال : أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن مالك قال : أنزلت في هذه الآية (( وَإِن جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُما )) قال : كنت رجلاً براً بأمي فلما أسلمت قالت : يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت لتدعن عن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه قلت : لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشيء قال : فمكثت يوماً لا تأكل فأصبحت قد جهدت قال فمكثت يوماً آخر وليلة لا تأكل فأصبحت وقد اشتد جهدها قال : فلما رأيت ذلك قلت تعلمين والله يا أمه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء إن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فأنزلت هذه الآية (( وَإِن جاهَداكَ )) . قوله تعالى (( وَمِن الناسِ مَن يَشتَري لَهوَ الحَديثِ )) قال الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث ، وذلك أنه كان يخرج تاجراً إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً ويقول لهم : إن محمداً عليه الصلاة والسلام يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت فيه هذه الآية . وقال مجاهد : نزلت في شراء القيان والمغنيات . أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال : أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة قال : أخبرنا جدي قال : أخبرنا علي بن حجر قال : أخبرنا مشمعل بن ملحان الطائي عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام وفي مثل هذا نزلت هذه الآية (( وَمِنَ الناسِ مَن يَشتَري لَهوَ الحَديثِ لِيُضِلَّ عَن سَبيلِ اللهِ )) إلى آخر الآية . وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله تعالى عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت . وقال ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه . قوله تعالى (( وَإِن جاهَداكَ عَلى أَن تُشرِكَ بي )) نزلت في سعد بن أبي وقاص على ما ذكرناه في سورة العنكبوت . قوله تعالى (( وَاِتَّبِع سَبيلَ مَن أَنابَ إِلَيَّ )) نزلت في أبي بكر رضي الله عنه قال عطاء عن ابن عباس : يريد أبا بكر وذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعثمان وطلحة والزبير فقالوا : لأبي بكر رضي الله عنه : آمنت وصدقت محمداً عليه الصلاة والسلام فقال أبو بكر : نعم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا فأنزل الله تعالى يقول لسعد (( وَاِتَّبِع سَبيلَ مَن أَنابَ إِلَيَّ )) يعني أبا بكر رضي الله عنه . قوله تعالى (( وَلَو أَنَّما في الأَرضِ مِن شَجَرَةٍ أَقلامٌ )) قال المفسرون : سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فأنزل الله (( وَيَسئَلونَكَ عَنِ الرُوحِ قُلِ الرُوح ُمِن أَمرِ رَبّي وَما أُوتيتُم مِّنَ العِلمِ إِلّا قَليلاً )) فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد بلغنا عنك أنك تقول (( وَما أُوتيتُم مِّنَ العِلمِ إِلاّ قَليلاً )) أفتعنينا أم قومك فقال : كلاً قد عنيت قالوا : ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي في علم الله سبحانه قليل ولقد آتاكم الله تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به فقالوا : يا محمد كيف تزعم هذا أنت تقول (( وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيراً كَثيراً )) وكيف يجتمع هذا علم قليل وخير كثير فأنزل الله تعالى (( وَلَو أَنَّما في الأَرضِ مِن شَجَرَةٍ أَقلامٌ )) . قوله تعالى (( إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلمُ الساعَةِ )) نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال : إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث وتركت امرأتي حبلى فماذا تلد وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد المؤذن قال : أخبرنا محمد بن حمدون بن الفضل قال : أخبرنا أحمد بن الحسين الحافظ قال : أخبرنا حمدان السلمي قال : حدثنا النضر بن محمد قال : حدثنا عكرمة قال : حدثنا إياس بن سلمة قال : حدثني أبي أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بفرس له يقودها عقوق ومعها مهرة له يبيعها فقال له : من أنت قال : أنا نبي الله قال : ومن نبي الله قال : رسول الله قال متى تقوم الساعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيب ولا يعلم الغيب إلا الله قال : ما في بطن فرسي هذه قال : غيب ولا يعلم الغيب إلا الله قال : أرني سيفك فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيفه فهزه الرجل ثم رده إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنك لم تكن تستطيع الذي أردت قال : وقد كان الرجل قال : أذهب إليه فأسأله عن هذه الخصال ثم أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق قال : أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر قال : أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي سويد قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهم إلا الله تعالى لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ولا يعلم : ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله رواه البخاري عن محمد بن يوسف عن سفيان . |
سورة السجدة قوله تعالى (( وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعَكُم )) أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي قال : أخبرنا إسماعيل بن نجيد قال : أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعد قال : أخبرنا أمية بن بسطام قال : أخبرنا يزيد بن زريع قال : أخبرنا روح بن القاسم عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود في هذه الآية (( وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصارُكُم )) . قال : كان رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش أو رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف في بيت فقال بعضهم : أترون لله يسمع نجوانا أو حديثنا فقال بعضهم : قد سمع بعضه ولم يسمع بعضه فقالوا : لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله فنزلت هذه الآية (( وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم )) رواه البخاري عن الحميدي . أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : أخبرنا أبو خيثمة قال : أخبرنا محمد بن حازم قال : أخبرنا الأعمش عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال : كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة أنفار كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم قرشي وختناه ثقفيان أو ثقفي وختناه قرشيان فتكلموا بكلام لم أفهمه فقال بعضهم : أترون الله سمع كلامنا هذا فقال الآخر إذا رفعنا أصواتنا سمع وإذا لم نرفع لم يسمع . وقال الآخر : إن سمع منه شيئاً سمعه كله . قال : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه (( وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصارُكُم وَلا جُلودُكُم )) إلى قوله تعالى (( فَأَصبَحتُم مِن الخاسِرينَ )) . قوله عز وجل (( إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ اِستَقاموا )) قال عطاء عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي بكر رضي الله عنه وذلك أن المشركين قالوا : ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله فلم يستقيموا وقالت اليهود : ربنا الله وعزير ابنه ومحمد عليه الصلاة والسلام ليس بنبي فلم يستقيموا وقال أبو بكر رضي الله عنه : ربنا الله وحده لا شريك له ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله واستقام . قوله تعالى (( قُل لا أَسئَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلّا المَوَدَّةَ في القُربى )) قال ابن عباس : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة فقال الأنصار : إن هذا الرجل قد هداكم الله تعالى به وهو ابن أختكم وتنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة فاجمعوا له من أموالكم ما لا يضركم فأتوه به ليعينه على ما ينوبه ففعلوا ثم أتوا به فقالوا : يا رسول الله إنك ابن أختنا وقد هدانا الله تعالى على يديك وتنوبك نوائب وحقوق وليس لك عندنا سعة فرأينا أن نجمع لك من أموالنا فنأتيك به فتستعين على ما ينوبك وهو هذا فنزلت هذه الآية . وقال قتادة : اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض : أترون محمداً عليه الصلاة والسلام يسأل على ما يتعاطاه أجراً فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (( وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِزقَ لِعِبادِهِ لَبَغوا في الأَرضِ )) نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الدنيا والغنى . قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية وذلك أنا بطرنا إلى أموال قريظة والنضير فتمنيناها فأنزل الله تبارك تعالى هذه الآية . قال : أخبرنا أبو عثمان المؤذن قال : أخبرنا أبو علي الفقيه قال : أخبرنا أبو محمد بن معاذ قال : أخبرنا الحسين بن الحسن بن حرب قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا حيوة قال : أخبرني أبو هانئ الخولاني أنه سمع عمرو بن حريث يقول : إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة (( وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِزقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوا في الأَرضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مّا يَشاءُ )) وذلك أنهم قالوا : لو أن لنا الدنيا فتمنوا الدنيا . قوله تعالى (( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِمُهُ اللهَ إِلا وَحياً )) وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلم الله موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن بك حتى تفعل ذلك فقال : لم ينظر موسى إلى الله وأنزلت الآية . |
سورة الأحزاب قوله تعالى (( يا أَيُّها النَبِيُّ اِتَّقِِ اللهَ وَلا تُطِعِ الكافِرينَ وَالمُنافِقينَ )) نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد فنزلوا على عبد الله بن أبي وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات وقل إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها وندعك وربك فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم فقال عمر بن الخطاب : رضي الله عنه ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم فقال : إني قد أعطيتهم الأمان فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجهم من المدينة فأنزل الله عز وجل هذه الآية . قوله تعالى (( مّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلبَينِ في جَوفِهِ )) نزلت في جميل بن معمر الفهري وكان رجلاً لبيباً حافظاً لما سمع فقالت قريش : ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان وكان يقول : إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد عليه الصلاة والسلام فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم يومئذ جميل بن معمر تلقاه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له : يا أبا معمر ما حال الناس قال : انهزموا قال : فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك قال : ما شعرت إلا أنهما في رجلي وعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده . قوله تعالى (( وَما جَعَلَ أَدعِياءَكُم أَبناءُكُم )) نزلت في زيد بن حارثة كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه قبل الوحي فلما تزوج النبي عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة قالت اليهود والمنافقون : تزوج محمد عليه الصلاة والسلام امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نعيم الاشكابي قال أخبرنا الحسن بن أحمد بن محمد بن علي بن مخلد قال : أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد قال : أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن سالم عن عبد الله يزعم أنه كان يقول : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيداً بن محمد حتى نزلت في القرآن (( اُدعُوهُم لِآبائِهِم هُوَ أَقسَطُ عِندَ اللهِ )) رواه البخاري عن معلى بن أسد عن عبد الرحمن بن المختار عن موسى بن عقبة . قوله تعالى (( يا أَيُّها النَبِيِّ قُل لِأَزواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ المُؤمِنينَ يُدنينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابيبِهِنَّ )) أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال : أخبرنا أبو علي الفقيه قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال : أخبرنا زياد بن أيوب قال : أخبرنا هشيم بن حصين عن أبي مالك قال : كانت نساء المؤمنين يخرجن بالليل إلى حاجاتهن وكان المنافقون يتعرضون لهن ويؤذونهن فنزلت هذه الآية . وقال السدي : كانت المدينة ضيقة المنازل وكان النساء إذا كان الليل خرجوا فقضين الحاجة وكان فساق من فساق المدينة يخرجون فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا هذه حرة فتركوها وإذا رأوا المرأة بغير قناع قالوا هذه أمة فكانوا يراودونها فأنزل الله تعالى هذه الآية . قوله تعالى (( مِّنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ عَلَيهِ )) أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال : أخبرنا عبد الله بن خالد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : أخبرنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا بهز بن أسد قال : أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر وبه سميت أنساً عن قتال بدر فشق عليه لما قدم وقال : غبت عن أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لئن أشهدني الله سبحانه قتالاً ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون وأعتذر إليك فيما صنع هؤلاء يعني المسلمين ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال : أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد فقاتلهم حتى قتل قال أنس : فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمية بالسهم وقد مثلوا به وما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه ونزلت هذه الآية (( مِّنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ )) قال : وكنا نقول : أنزلت هذه الآية فيه وفي أصحابه رواه مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد . أخبرنا سعد بن أحمد بن جعفر المؤذن قال : أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال : أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الزيارجي قال : أخبرنا بندار قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال : حدثني أبي ثمامة عن أنس بن مالك قال : نزلت هذه الآية في أنس بن النضر (( مِّنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ عَلَيهِ )) رواه البخاري عن بندار . قوله تعالى (( فَمِنهُم مَّن قَضى نَحبَهُ )) نزلت في طلحة بن عبيد الله ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم أوجب لطلحة الجنة . أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله التميمي قال : أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر الرازي قال : أخبرنا العباس بن إسماعيل الرقي قال : أخبرنا إسماعيل بن يحيى البغدادي عن أبي سنان عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي قال : قالوا : أخبرنا عن طلحة قال ذلك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى (( فَمِنهُم مَّن قَضى نَحبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ )) طلحة ممَن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل . أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : أخبرنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن عيسى بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه طلحة فقال : هذا ممن قضى نحبه . قوله تعالى (( إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ )) أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرنا أبو محمد بن حيان قال : أخبرني أحمد بن عمرو بن أبي عاصم قال : أخبرنا أبو الربيع الزهراني قال : أخبرني عمار بن محمد الثوري قال : أخبرنا سفيان عن أبي الحجاف عن عطية عن أبي سعيد (( إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً )) قال : نزلت في خمسة في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام . أخبرنا أبو سعد النضوي قال : أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : أخبرنا ابن نمير قال : أخبرنا عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح قال : حدثني من سمع أم سليم تذكر النبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فأتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها : ادعي لي زوجك وابنيك قالت : فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له وكان تحته كساء حبري قالت : وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى هذه الآية (( إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً )) قالت : فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال : فأدخلت رأسي البيت وقلت : أنا معكم يا رسول الله قال : إنك إلى خير إنك إلى خير . أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج قال : أخبرنا محمد بن يعقوب قال : أخبرنا الحسن بن علي بن عفان قال : أخبرنا أبو يحيى الحماني عن صالح بن موسى القرشي عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أنزلت هذه الآية في نساء النبي صلى الله عليه وسلم (( إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِجسَ أَهلَ البَيتِ )) . أخبرنا عقيل بن محمد الجرجاني فيما أجاز لي لفظاً قال : أخبرنا المعافى بن زكريا القاضي قال : أخبرنا محمد بن جرير قال : أخبرنا ابن حميد قال : أخبرنا يحيى بن واضح قال : أخبرنا الأصبغ عن علقمة عن عكرمة في قوله تعالى (( إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِجسَ أَهلَ البَيتِ )) قال : ليس الذين يذهبون إليه إنما هي أزواج النبي عليه الصلاة والسلام قال : وكان عكرمة ينادي هذا في السوق . قوله تعالى (( إِنَّ المُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ )) قال مقاتل بن حيان : بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة معها زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : هل نزل فينا شيء من القرآن قلن لا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسارة قال : ومم ذلك قالت : لأنهن لا يذكرن في الخير كما يذكر الرجال فأنزل الله تعالى (( إِنَّ المُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ )) إلى آخرها . وقال قتادة : لما ذكر الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم دخل نساء من المسلمات عليهن فقلن : ذكرتن ولم نذكر ولو كان فينا خير لذكرنا فأنزل الله تعالى (( إِنَّ المُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ )) . قوله تعالى (( تُرجي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ )) قال المفسرون : حين غار بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم وآذينه بالغيرة وطلبن زيادة النفقة فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً حتى نزلت آية التخيير وأمر الله تعالى أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة وأن يخلي سبيل من اختارت الدنيا ويمسك من اختارت الله سبحانه ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين ولا ينكحن أبداً وعلى أن يؤوي إليه من يشاء ويرجي منهن من يشاء فرضين به قسم لهن أو لم يقسم أو فضل بعضهن على بعض بالنفقة والقسمة والعشرة ويكون الأمر في ذلك إليه يفعل ما يشاء فرضين بذلك كله فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما جعل الله تعالى له من التوسعة يسوي بينهن في القسمة . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي قال : أخبرنا عبد الملك بن الحسن ابن يوسف السقطي . قال : أخبرنا أحمد بن يحيى الحلواني قال : أخبرنا يحيى بن معين قال : أخبرنا عباد بن عباد عن عاصم الأحول عن معاذة عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت (( تُرجي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوي إِلَيكَ مَن تَشاءُ )) يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا قالت : معاذة : ما كنت تقولين قالت : كنت أقول : إن كان ذلك إلي لم أوثر أحداً على نفسي رواه البخاري عن حيان بن موسى عن ابن المبارك ورواه مسلم عن شريح بن يونس عن عباد كلاهما عن عاصم . وقال قوم : لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقن فقلن : يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا فنزلت هذه الآية . أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن نعيم قال : محمد بن يعقوب الأخرم قال : أخبرنا محمد بن عبد الوهاب قال : أخبرنا محاضر بن المودع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تقول لنساء النبي صلى الله عليه وسلم : أما تستحي المرأة أن تهب نفسها فأنزل الله تعالى هذه الآية (( تُرجي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوي إِلَيكَ مَن تَشاءُ )) فقالت عائشة أرى ربك يسارع لك في هواك رواه البخاري عن زكريا بن يحيى ورواه مسلم . قوله تعالى (( يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتَ النَبِيِّ )) قال أكثر المفسرون : لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أولم عليها بتمر وسويق وذبح شاة قال أنس : وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدعو أصحابه إلى الطعام فجعل القوم يجيئون فيأكلون فيخرجون ثم يجيء القوم فيأكلون فيخرجون فقلت : يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحداً أدعوه فقال : ارفعوا طعامكم فرفعوا وخرج القوم وبقي ثلاثة أنفار يتحدثون في البيت فأطالوا المكث فتأذى منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحياء فنزلت هذه الآية وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه ستراً . أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال : أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيري قال : أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع قال : أخبرنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : أخبرنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي مجلز عن أنس بن مالك قال : لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون . قال : فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام وقام من القوم من قام وقعد ثلاثة وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فدخل فإذا القوم جلوس وأنهم قاموا وانطلقوا فجئت واخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا قال : فجاء حتى دخل قال : وذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله تعالى (( يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتَ النَبِيِّ إِلّا أَن يُؤذَنَ لَكُم إِلى طَعامٍ )) إلى قوله (( إِنَّ ذَلِكُم كانَ عِندَ اللهِ عَظيماً )) رواه البخاري عن محمد بن عبد الله الرقاشي ورواه مسلم عن يحيى بن حبيب الحارثي كلاهما عن المعتمر . أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال : أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال : أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل قال : أخبرنا هشام بن عمار قال : أخبرنا الخليل بن موسى قال : أخبرنا عبد الله بن عوف عن عمرو بن شعيب عن أنس بن مالك قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر على حجرة من حجره فرأى فيها قوماً جلوساً يتحدثون ثم عاد فدخل الحجرة وأرخى الستر دوني فجئت أبا طلحة فذكرت ذلك له فقال : لئن كان ما تقول حقاً لينزلن الله فيه قرآناً فأنزل الله تعالى (( يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتَ النَبِيِّ )) . أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري قال : أخبرنا حاجب بن أحمد قال : أخبرنا عبد الرحيم بن منيب قال : أخبرنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا حميد عن أنس قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب رواه البخاري عن مسدد عن يحيى بن أبي زائدة عن حميد . أخبرني أبو حكم الجرجاني فيما أجازني لفظاً قال : أخبرنا أبو الفرج القاضي قال : أخبرنا محمد بن جرى قال : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال : هشيم عن ليث عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم معه بعض أصحابه فأصابت يد رجل منهم يد عائشة وكانت معهم فكره النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آية الحجاب . قوله تعالى (( وَلا تَنكِحوا أَزواجَهُ مِن بَعدِهِ أَبَداً )) قال ابن عباس في رواية عطاء : قال رجل من سادة قريش : لو توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة فأنزل الله تعالى ما أنزل . قوله تعالى (( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلونَ عَلى النَبِيِّ )) أخبرنا أبو سعيد عن ابن عمر النيسابوري قال : أخبرنا الحسن بن أحمد الخلدي قال : أخبرنا المؤمل بن الحسين بن عيسى قال : أخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا أبو حذيفة قال : أخبرنا سفيان عن الزبير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم قد عرفنا السلام عليك وكيف الصلاة عليك فنزلت (( إِِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النَبِيِّ يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليماً )) . أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشا قال : اخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: أخبرنا الرياشي عن الأصمعي قال : سمعت المهدي على منبر البصرة يقول : إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال (( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النَبِيِّ يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليماً )) آثره صلى الله عليه وسلم بها من بين الرسل واختصكم بها من بين الأنام فقابلوا نعمة الله بالشكر . سمعت الأستاذ أبا عثمان الواعظ يقول : سمعت الإمام سهل بن محمد بن سليمان يقول هذا التشريف الذي شرف الله تعالى به نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله (( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النَبِيِّ )) أبلغ وأتم من تشريف آدم بأمر الملائكة بالسجود له لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف وقد أخبر الله تعالى عن نفسه بالصلاة على النبي ثم عن الملائكة بالصلاة عليه فتشريف صدر عنه عنه أبلغ من تشريف تختص به الملائكة من غير جواز أن يكون الله معهم في ذلك والذي قاله سهل منتزع من قول المهدي ولعله رآه ونظر إليه فأخذه منه وشرحه وقابل ذلك بتشريف آدم وكان أبلغ وأتم منه وقد ذكر في الصحيح ما أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قال : أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه قال : أخبرنا إبراهيم بن سفيان قال : أخبرنا مسلم قال : أخبرنا قتيبة وعلي بن حجر قالا : أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مَن صلى علي واحدة قوله تعالى (( هُوَ الَّذي يُصَلي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ )) قال مجاهد : لما نزلت (( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النَبِيِّ )) قال أبو بكر : ما أعطاك الله تعالى من خير إلا أشركنا فيه فنزلت (( هُوَ الَّذي يُصَلّي عَليكُم وَمَلائِكَتُهُ )) . قوله تعالى (( وَالَّذينَ يُؤذونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ بِغَيرِ ما اِكتَسَبوا )) قال عطاء : عن ابن عباس رأى عمر رضي الله عنه جارية من الأنصار متبرجة فضربها وكره ما رأى من زينتها فذهبت إلى أهلها تشكو عمر فخرجوا إليه فآذوه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب وذلك أن أناساً من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه . وقال الضحاك والسدي والكلبي : نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيرون المرأة فيدنون منها فيغمزونها فمن سكتت اتبعوها وإن زجرتهم انتهوا عنها ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ولكن لم يكن يومئذ تعرف الحرة من الأمة إنما يخرجن في درع وخمار فشكون ذلك إلى أزواجهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية الدليل على صحة هذا . |
سورة يس قوله تعالى (( إِنّا نَحنُ نُحيي المَوتى وَنَكتُبُ ما قَدَّموا وَآَثارَهُم )) قال أبو سعيد الخدري : كان بنو سلمة في ناحية من نواحي المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية (( إِنّا نَحنُ نُحيي المَوتى وَنَكتُبُ ما قَدَّموا وَآَثارَهُم )) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : إن آثاركم تكتب فلم تنتقلون . أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسن الطبري قال : حدثني جدي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن الشرقي قال : حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن سعد بن الظريف عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : شكت بنو سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى (( وَنَكتُبُ ما قَدَّموا وَآَثارَهُم )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عليكم منازلكم فإنما تكتب آثاركم . قوله تعالى (( قالَ مَن يُحيي العِظامَ وَهِيَ رَميمٌ )) قال المفسرون : إن أبي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل فقال : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رم فقال: نعم ويبعثك ويدخلك في النار فأنزل الله تعالى هذه الآية (( وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلقَهُ قالَ مَن يُحيي العِظامَ وَهِيَ رَميمٌ )) . أخبرنا سعيد بن محمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن الجنيد قال : حدثنا زياد بن أيوب قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا حصين عن أبي مالك أن أبي بن خلف الجمحي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففتته بين يديه وقال : يا محمد يبعث الله هذا بعد ما أرم قال : نعم يبعث الله هذا ويميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت هذه الآيات . |
سورة ص أخبرنا أبو القاسم بن أبي نصر الخزامي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدويه قال : أخبرنا أبو بكر بن دارم الحافظ قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا أبي قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي قال : حدثنا سفيان عن الأعمش عن يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : مرض أبو طالب فجاءت قريش وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعند رأس أبي طالب مجلس رجل فقام أبو جهل كي يمنعه من ذلك فشكوه إلى أبي طالب فقال : يا ابن أخي ما تريد من قومك قال : يا عم إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم الجزية بها العجم قال : كلمة واحدة قال ما هي قال : لا إله إلا الله فقالوا : أجعل الآلهة إلهاً واحداً قال فنزل فيهم القرآن (( ص وَالقُرآَنِ ذي الذِّكرِ بَل الَّذينَ كَفَروا في عِزَّةٍ وَشِقاقِ )) حتى بلغ (( إِن هَذا إِلّا اِختِلاقٌ )) . قال المفسرون : لما أسلم عمر بن الخطاب شق ذلك على قريش وفرح المؤمنون قال الوليد بن المغيرة لهلاص قريش وهم الصناديد والأشراف : امشوا إلى أبي طالب فأتوه فقالوا له : أنت شيخنا وكبيرنا قد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك ذا السؤال فلا تمل كل الميل على قومك قال : وماذا يسألوني ؟ قالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم فقال أبو جهل : لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا لا إله إلا الله فنفروا من ذلك فقاموا فقالوا (( أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهاً واحِداً )) كيف يسع الخلق كلهم إله واحد فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات (( كَذَّبت قَبلَهُم قَومُ نُوحٍ )) . |
سورة الزمر قوله تعالى (( أَمَن هُوَ قانِتٌ آَناءَ اللَّيلِ )) قال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وقال ابن عمر : نزلت في عثمان بن عفان ، وقال مقاتل : نزلت في عمار بن ياسر . قوله تعالى (( وَالَّذينَ اِجتَنَبوا الطّاغوتَ أن يَعبُدوها )) قال ابن زيد : نزلت في ثلاثة أنفار كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله وهم زيد بن عمرو وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي . قوله تعالى (( فَبَشِّر عِبادِ الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ )) قال عطاء عن ابن عباس : إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدقه فجاء عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا ونزلت فيهم (( فَبَشِّر عِبادِ الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ )) قال : يريد من أبي بكر (( فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ )) . قوله تعالى (( أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ لِلِإسلامِ فَهوَ عَلى نُورٍ مِن رَّبِّهِ )) نزلت في حمزة وعلي وأبي لهب وولده فعلي وحمزة ممن شرح الله صدره وأبو لهب وأولاده الذين قست قلوبهم عن ذكر الله وهو قوله تعالى (( فَويلٌ لِلّقاسِيَةِ قُلوبُهُم مِن ذِكرِ اللهِ )) . قوله تعالى (( الله نزل أحسن الحديث )) أخبرنا عبد القاهر بن طاهر البغدادي قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال : أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي قال : أخبرنا إسحاق بن راهويه قال : أخبرنا عمرو بن محمد القرشي قال : أخبرنا خلاد الصفار عن عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد قالوا : يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله تعالى (( اللهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ )) . قوله تعالى (( قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللهِ )) قال ابن عباس : نزلت في أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التي حرم الله فنزلت الآية . وقال ابن عمر : نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا وكنا نقول : لا يقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً أبداً قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به فنزلت هذه الآيات وكان عمر كاتباً فكتبها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وأولئك النفر فأسلموا وهاجروا . أخبرنا عبد الرحمن بن محمد السراج قال : أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن الكازروني قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال : أخبرنا القاسم بن سلام قال : أخبرنا الحجاج عن ابن جريج قال : حدثني يعلى بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تدعو إليه لحسن إن تخبرنا لما علمناه كفارة فنزلت هذه الآية (( يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم )) رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج . أخبرنا أبو إسحاق المقريء قال : أخبرنا الحسين بن محمد بن العلاء قال : أخبرنا يونس بن بكير قال : أخبرنا محمد بن إسحاق قال : أخبرنا نافع عن عمر أنه قال : لما اجتمعنا إلى الهجرة انبعثت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل فقلنا : الميعاد بيننا المناصف ميقات بني غفار فمن حبس منكم لراياتها فقد حبس فليمض صاحبه فأصبحن عندها أنا وعياش وحبس عنا هشام وفتن وافتتن فقدمنا المدينة فكنا نقول : ما الله بقابل من هؤلاء توبة قوم عرفوا الله ورسوله ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم من الدنيا فأنزل الله تعالى (( يا عِبادي الَّذينَ أَسرَفوا )) إلى قوله (( أَلَيسَ في جَهَنَمُ مَثوى لِلمُتَكَبِرينَ )) قال عمر: فكتبتها بيدي ثم بعثت بها فقال هشام: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى فقلت : اللهم فهمنيها فعرفت أنها أنزلت فينا فرجعت فجلست على بعيري فلحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويروى أن هذه الآية نزلت في وحشي قاتل حمزة رحمة الله عليه ورضوانه وذكرنا ذلك في آخر سورة الفرقان . قوله تعالى (( وَما قَدَروا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ )) أخبرنا أبو بكر الحارثي قال : أخبرني أبو الشيخ الحافظ قال : أخبرنا ابن أبي عاصم قال : أخبرنا ابن نمير قال : أخبرنا معاوية عن الأعمش عن علقمة عن عبد الله قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أهل الكتاب فقال : يا أبا القاسم بلغك أن الله يحمل الخلائق على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع والثرى على أصبع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فأنزل الله تعالى (( وَما قَدَروا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ )) . ومعنى هذا أن الله تعالى يقدر على قبض الأرض وجميع ما فيها من الخلائق والشجر قدرة أحدنا ما يحمله بأصبعه فخوطبنا بما نتخاطب فيما بيننا لنفهم ألا ترى أن الله تعالى قال (( وَالأَرضُ جَميعاً قَبضَتُهُ يَومَ القِيامَةِ )) أي يقبضها بقدرته . |
سورة فصلت قوله تعالى (( وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعَكُم )) أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي قال : أخبرنا إسماعيل بن نجيد قال : أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعد قال : أخبرنا أمية بن بسطام قال : أخبرنا يزيد بن زريع قال : أخبرنا روح بن القاسم عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود في هذه الآية (( وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصارُكُم )) . قال : كان رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش أو رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف في بيت فقال بعضهم : أترون لله يسمع نجوانا أو حديثنا فقال بعضهم : قد سمع بعضه ولم يسمع بعضه فقالوا : لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله فنزلت هذه الآية (( وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم )) رواه البخاري عن الحميدي . أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الحيري قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال : أخبرنا أبو خيثمة قال : أخبرنا محمد بن حازم قال : أخبرنا الأعمش عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال : كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة أنفار كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم قرشي وختناه ثقفيان أو ثقفي وختناه قرشيان فتكلموا بكلام لم أفهمه فقال بعضهم : أترون الله سمع كلامنا هذا فقال الآخر إذا رفعنا أصواتنا سمع وإذا لم نرفع لم يسمع ، وقال الآخر : إن سمع منه شيئاً سمعه كله ، قال : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه (( وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصارُكُم وَلا جُلودُكُم )) إلى قوله تعالى (( فَأَصبَحتُم مِن الخاسِرينَ )) . |
الساعة الآن 06:14 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas