قديم 15-04-2021, 09:37 PM   #1

عملائي
 
الصورة الرمزية العطر

العضوٌﯦﮬﮧ » 8
 التسِجيلٌ » Apr 2021
مشَارَڪاتْي » 104
 نُقآطِيْ » العطر is on a distinguished road
افتراضي الاعتكاف في رمضان



إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فهو المهتدِ، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد اعتكف في العشر الأواسط، يلتمس ليلة القدر، ثم تبين له أنها في العشر الأواخر فاعتكفها.


فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه، ورجع مَن كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس، فأمرهم ما شاء الله، ثم قال: ((كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمَن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد أريت هذه الليلة ثم أُنسيتها؛ فابتغوها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين))، فاستهلت السماءُ في تلك الليلة فأمطرت، فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين، فبصُرَتْ عيني رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه مبتلٌّ طينًا وماءً)[1].


ثم داوم صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف في العشر الأواخر، حتى توفاه الله تعالى؛ كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي العام الذي قُبض فيه صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يومًا؛ أي: العشر الأواسط والعشر الأواخر جميعًا، ولعل السبب في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أراد مضاعفة العمل الصالح، والاستزادة من الطاعات؛ لإحساسه صلى الله عليه وسلم بدنوِّ أجله؛ كما فهم ذلك من قول الله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]، فإن اللهَ أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالإكثار من التسبيح والاستغفار في آخر عمره، وهكذا فعل صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان يُكثر في ركوعه وسجوده مِن قول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك؛ اللهم اغفر لي؛ يتأوَّل القُرْآنَ)[2].


أخي الصائم الحبيبُ، الاعتكاف هو لزوم المسجد بنية مخصوصة؛ لطاعة الله تعالى، وهو مشروعٌ مستحبٌّ باتفاق أهل العلم؛ قال الإمام أحمد - فيما رواه عنه أبو داود -: (لا أعلم عن أحد من العلماء إلا أنه مسنون)، وقال الزهري رحمه الله: (عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه اللهُ)[3].


واعلَمْ - أخي الصائم الكريم - أن في العبادات مِن الأسرار والحِكم ما يُصلح للعبد قلبَه؛ ذلك أن المدار في الأعمال على القلب؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغةً؛ إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسَدت فسَد الجسد كله، ألا وهي القلبُ))؛ متفق عليه[4].


وأكثر ما يُفسد القلبَ: المُلْهياتُ والشواغل التي تصرفه عن الإقبال على الله؛ من شهوات المطاعم والمشارب والمناكح، وفضول الكلام وفضول النوم، وفضول الصحبة... وغير ذلك مِن الصوارف التي تُفرِّق أمر القلب وتُبعِده عن الله؛ فشرَع الله تعالى مِن العبادات ما يحمي القلب مِن تلك المؤثرات؛ كالصيام مثلًا، الصيام الذي يمنع الإنسان مِن الطعام والشراب والجِماع في النهار، فينعكس ذلك الامتناع عن فضول هذه الملذات على القلب، فيَقْوَى في سَيره إلى الله، وينعتق من أغلال الشهوات التي تصرف المرءَ عن الآخرة إلى الدنيا.


على أن هذا الامتناع عن رغبات النفس في حال الصيام امتناعٌ باعتدال وتوسُّط، ليس فيه ما في الأديان الأخرى المحرفة أو الباطلة من الإفراط والغلو، كما هو حال الذين يصومون شهرًا كاملًا ليلَه مع نهاره، أو يمنعون أنفسهم من الأكل والشرب والنوم عدة أيام، أو يدفنون أنفسهم في الأرض، أو يفعلون غير ذلك من صور الجَوْر على الجسد، والمبالغة في منعه من رغباته، وقد بلغ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة رهط أراد أحدهم أن يصلي الليل أبدًا، وأراد الثاني أن يصوم الدهر ولا يُفطر، وعزم الثالث على أن يعتزل النساء؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأُصلِّي وأرقُد، وأتزوَّج النساء؛ فمَن رغِب عن سنَّتي فليس مني))؛ متفق عليه[5].


وفي الاعتكاف حمايةٌ للقلب مِن أثر فضول الكلام؛ لأن المرء غالبًا يعتكف وحده، فيُقبل على الله تعالى بالقيام وقراءة القُرْآن، والذِّكر، والدعاء، وفيه كذلك حماية مِن أثر كثرة النوم؛ فإن العبدَ إنما اعتكف في المسجد ليتفرَّغَ للتقرب إلى الله بأنواع من العبادات، ولم يلزَمِ المسجدَ لينام.


ولا ريبَ أن نجاح العبد في التخلص من فضول الصحبة والكلام والنوم، يُسهِم في دفع القلب نحو الله تعالى، وحمايته من ضد ذلك.


ونختم بهذه الكلمة النفيسة من نفائس الإمام ابن القيم رحمه الله مُبينًا بها المقصود من الاعتكاف: (وشرَع لهم الاعتكاف الذي مقصوده ورُوحه: عكوفُ القلب على الله تعالى، وجمعيَّتُه عليه، والخَلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخَلق، والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذِكره وحبه والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطَراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذِكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يُقرب منه، فيصير أُنسه بالله بدلًا عن أُنسه بالخَلق، فيعده بذلك لأُنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم)؛ انتهى كلامه رحمه الله.


وهذه جملة مِن الآداب يحسُنُ بالمعتكفين مراعاتها، والأخذ بها؛ ليكون اعتكافهم كاملًا مقبولًا بإذن الله.
أولًا: استحضار النية الصالحة، واحتساب الأجر على الله عز وجل.
ثانيًا: استشعار الحكمة من الاعتكاف، وهي الانقطاع للعبادة، وجمعية القلب على الله عز وجل.
ثالثًا: ألا يخرج المعتكف إلا لحاجته التي لا بد منها.
رابعًا: المحافظة على أعمال اليوم والليلة مِن سنن وأذكار مطلقة ومقيدة؛ كالسنن الرواتب، وسنة الضحى، وصلاة القيام، وسنة الوضوء، وأذكار طرفي النهار، وأذكار أدبار الصلوات، وإجابة المؤذن، ونحو ذلك من الأمور التي يحسن بالمعتكف ألا يفوته شيء منها.


خامسًا: الحرص على الاستيقاظ من النوم قبل الصلاة بوقت كافٍ، سواء كانت فريضة، أو قيامًا؛ لأجل أن يتهيأ المعتكف للصلاة، ويأتيها بسكينة ووقار وخشوع.


سادسًا: الإكثار من النوافل عمومًا، والانتقال من نوع إلى نوع آخر من العبادة؛ لأجل ألا يدب الفتور والملل إلى المعتكف؛ فيمضي وقته بالصلاة تارة، وبقراءة القُرْآن تارة، وبالتسبيح تارة، وبالتهليل تارة، وبالتحميد تارة، وبالتكبير تارة، وبالدعاء تارة، وبالاستغفار تارة، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تارة، وبـ: لا حول ولا قوة إلا بالله تارة، وبالتدبر تارة، وبالتفكر تارة، وهكذا...


سابعًا: اصطحاب بعض كتب أهل العلم، وخصوصًا التفسير؛ حتى يستعان به على تدبر القُرْآن.
ثامنًا: الإقلال من الطعام، والكلام، والمنام؛ فذلك أدعى لرقة القلب، وخشوع النفس، وحفظ الوقت، والبُعد عن الإثم.
تاسعًا: الحرص على الطهارة طيلة وقت الاعتكاف.
عاشرًا: يحسُنُ بالمعتكفين أن يتواصَوا بالحق، وبالصبر، وبالنصيحة، والتذكير، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، والإيقاظ من النوم، وأن يقبَل بعضُهم مِن بعض.


وبالجملة، فليحرص المعتكف على تطبيق السنة، والحرص على كل قربة، والبعد عن كل ما يفسد اعتكافه، أو ينقص ثوابه.


هذا، والحمد لله رب العالمين
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا وعلى آلِه وأصحابِه أجمعين

الموضوع الأصلي: الاعتكاف في رمضان || الكاتب: العطر || المصدر: lmsa-des © لمسه لخدمات التصميم

كلمات البحث

إستايلات ، ديزاينات ، دورات ، تعليمات ، طلبات ، تصاميم ، دعم فني ،استفسارات،رسيرفرات ،هاكات،


العطر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, الاعتكاف, رمضان


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Bookmark and Share


الساعة الآن 04:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
This Forum used Arshfny Mod by islam servant